المنازعات المتعلقة برخصة البناء-
رخصة البناء بإعتبارها القرار الاداري الذي يتضمن الترخيص بالقيام بأعمال البناء والتشييد أو غيرهما. فإنها ستكون موضوعا لعدة نزاعات تطرح أمام القضاء. مثل المنازعات رفض الإدارة تسليم رخصة البناء. أو حالة تسليم الرخصة ثم العدول عنها إما بسحبها أو بصدور قرار إداري يتضمن توقيف الأشغال لسبب أو لآخر.
و قد تكون موضوعا لنزاعات تنشأ بين الافراد فيما بينهم. أثناء تنفيذ الأشغال المرخص بها و ما قد تنتج عنها من أضرار قد تلحق بالغير. كما تكون كذلك محلا لمخالفات يعاقب عليها القانون. باعتبارها جرائم تمس بالنظام العام العمراني و قواعد و أنظمة التهيئة و التعمير.
أولا_ المنازعات التي تختص بها الجهات القضائية الإدارية:
إن جهات القضاء الإداري تكون مختصة في جميع المنازعات التي تثيرها رخصة البناء باعتبارها قرار إداري صادر عن جهة إدارية مختصة عندما يكون مشوبا بعيب التجاوز السلطة في مواجهة الأفراد و كذا مبدأ المشروعية و خضوع أعمال الإدارة للقانون و هذا من أجل إلغاؤه أو الحصول على تعويض مناسب كما في حالة رفض الإدارة تسليم رخصة البناء إما صراحة أو ضمنيا بعد تعديل قانون 90-29. أو صدور قرار إداري يرخص بالبناء ثم تلجأ هذه الأخيرة إما إلى سحبه أو توقيف الأشغال بدون تعليل مبرر.
1_ أسس دعوى الالغاء:
يمكن تأسيس دعوى الالغاء على أساس الأوجه و العيوب التقليدية التالية:
يمكن تأسيس دعوى الالغاء على أساس الأوجه و العيوب التقليدية التالية:
_عيب عدم الاختصاص :
و يتمثل في حالة اعتداء جهة إدارية على صلاحيات جهة إدارية أخرى أما من حيث المكان أو الزمان أو الموضوع.
كما في حالة تسليم رخصة البناء من قبل رئيس المجلس الشعبي البلدي. في حين أن الاختصاص يعود إلى الوالي أو الوزير المكلف بالتعمير.
_عيب الشكل و الإجراءات :
فقد يكمن كما في حالة اهمال الإدارة لاجراء جوهري سابق على عملية اتخاذ القرار. رخصة البناء كمخالفة إجراءات التحقيق من قبل مصلحة الدولة المكلفة بالسياحة بالنسبة للبناء في المناطق السياحية. و مواقع التوسع السياحي [ القانون رقم 03-03]. و قد يظهر عيب الشكل كما في حالة إغفال الإدارة. عن تسبيب قرار رفض أو تأجيل منح رخصة البناء [ المادة 62-قانون 90-29].
_عيب مخالفة القانون :
و هو يتمثل في تجاهل الإدارة القاعدة قانونية كما في حالة رفض الإدارة منح الرخصة بحجة أن تصاميم البناء لم يتم التأشير عليها من قبل مهندس معماري معتمد بالرغم من مشروع البناء متواجد في إقليم البلديات المصنفة مخالفة بذلك المادة 55 من القانون 90-29 و كذا المادة 36 من المرسوم 176-91.
_عيب الانحراف في استعمال السلطة :
تؤسس الدعوى أيضا على أساسا الانحراف بالسلطة إذا كانت الجهة الإدارية المختصة تستهدف غرضا يختلف عن الغرض الحقيقي الذي من أجله أصدرت القرار كما في حالة رفض رئيس بلدية ما الترخيص بالبناء كون أن صاحب الطلب لم يقم بالجملة الانتخابية أو الدعاية له مساندا في ذلك جهات أخرى1 .
_عيب انعدام السبب:
إنه يحدث في حالة انعدام الحالة أو الواقعة المادية أو القانونية التي اعتمدت عليها الإدارة في اصدار قرار رخصة البناء كما في حالة رفض منح رخصة البناء على أساس أن مشروع البناء يقع في أماكن محمية ذات طابع تاريخي أو أثري [ المادة 69 من القانون 90-20 ] ثم يثبت انعدام وجود هذه الأسباب القانونية.
2_حالات رفع الدعوى أمام القضاء الاداري:
إن رخصة البناء باعتبارها قرار إداري تهدف الإدارة من خلال منحها أو رفض منحها تحقيق الرقابة القبلية المسبقة على أعمال التشييد البناء و ضمان النظام العام العمراني فيما يخص الجهة الإدارية و من ناحية أخرى فإنه للفرد الحق في الحصول عليها لكونها أحد أوجه حق الملكية ومتى كان طلبه مستوفيا لكافة الوثائق و المستندات المطلوبة و أن الأشغال المراد القيام بها مطابقة ومنسجمة مع القواعد العامة للتهيئة و التعمير لا سيما أدواتها فإن النزاعات من هذا المنظور بين طالب الرخصة و الإدارة ستكون كما يلي:
أ_ حالة رفض الإدارة تسليمهم رخصة البناء:
إنه من الثابت قانونا أن الإدارة لا يمكنها رفض تسليم رخصة البناء إلا للأسباب المستخلصة من أحكام القانون 90-29 و المراسيم التنفيذية المطبقة له . و كذا القوانين الخاصة المتعلقة بالمناطق المحمية [ المادة 62 – من نفس قانون 90-29] .و في حالة الرفض ألزم المشرف الإدارة بتسبيب القرار تسبيبا قانونيا و أن يبلغ للمعني [المادة 62-2] كما أن الحق في البناء هو أحد أوجه ممارسته الحق في الملكية المادة 50 القانون 90-29
الا أن التساؤل الجوهري الذي يثور من أجل الإجابة على الإشكالية المطروحة حول موقف القضاء الإداري في حالة رفض الإدارة تسليم رخصة البناء إما بصورة صريحة و معللة قرارها على أسباب أخرى غير الأسباب التي حصرها القانون او تزيف للوقائع و إما بصورة ضمنية وهذا بعد التعديل الذي تضمنه القانون 90-29 و الذي يعتبر سكوت الإدارة عن الرد بعد الميعاد القانون المضروب لها بمثابة رفض ضمني للطلب رخصة البناء و هو ما يخول للمعنى أما رفع تظلم سلمى او إقامة دعوى امام القضاء الإداري للمادة 63 من القانون 90-29 .
المبدأ: أن القاضي الإداري غير مؤهل لمنح رخصة البناء فهل يجوز له إلزام الادارة بمنحها وقد تضاربت الآراء و المواقف في ذلك بين مؤيد و معارض.
الموقف الأول_ عدم جواز توجيه أوامر للإدارة من قبل القاضي الإداري الجزائري:
فهو لا يمكنه أن يحل محلها طبقا للمبدأ الفصل بين السلطات و ليست لديه الآليات القانونية الكفيلة بجعل الإدارة تخضع للقرار الإداري المتضمن إلزامها بمنح رخصة البناء كالغرامة التهديدية و في غياب قانون الإجراءات الإدارية ينص صراحة على ذلك و إنما يجوز له فقط إلغاء قرار الرفض و يكون للمحكوم له إما التقدم بطلب جديد و وفقا للإجراءات الجديدة أو رفع دعوى القضاء الكامل من أجل الحصول على التعويض في حالة عدم صدور قرار إداري جديد بالقبول أو متابعة الموظف الإداري شخصيا أمام جهات القضاء الجزائي على أساس المادة 138مكرر من قانون العقوبات على أساس جريمة امتناع الموظف عن تنفيذ حكم قضائي و ذلك لأن الإدارة لا تستطيع أن تعرض جميع تصرفاتها على القضاء بدعوة حماية الأفراد أو المحافظة على ضماناتهم و إلا وصلنا إلى شل نشاط الإدارة و إصابة المجتمع بضرر بليغ.
الموقف الثاني_جواز توجيه أوامر للإدارة من قبل القاضي الإداري الجزائري:
إن الحق في البناء هو مرتبط بحق ملكية الأراضي المكرسة دستوريا. و احد اوجه استعمالها و أن القضاء الإداري ينظر في الطعون ضد القرارات الإدارية –مبدأ دستوري- . و ما دام أن قانون التعمير الجزائري قد حدد حالات رفض تسليم رخصة البناء على سبيل الحصر . فإن تقدير هذه الحالات يدخل ضمن الاختصاص المقيد والضيق للإدارة.
من ناحية ثانية فإن هذه الأخيرة خصم في مواجهة الأفراد و ما دامت ملزمة بتعليل قراراتها الصادرة بالرفض أو التأجيل فإن ذلك سيخضع حتما لرقابة القضاء الإداري طبقا للمبدأ المشروعية و حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية و هي المعادلة التي يهدف إلى تحقيقها قانون التهيئة و التعمير في نهاية المطاف و عليه فإنه يجوز توجيه أوامر للإدارة من قبل القاضي الإداري الجزائري و سنجد بالملحق قرار صادر عن الغرفة الإدارية للمجلس قضاء غليزان يقضي بإلزام بلدية الحمادنة بتسليم رخصة البناء للمعنيين و كذا الحكم جزائي يقضي على رئيسها بسنة حبس نافذة و غرامة كعقوبة جزائية عن رفض تنفيذ هذا القرار.
و قد ذهب قضاء مجلس الدولة الجزائرية إلى القول بعدم جواز القاضي الإداري توجيه أوامر للإدارة مبدئيا إلا أنه و بالنسبة لالزام الإدارة بتسليم رخصة البناء فقد قرر في القرار رقم 007736 الصادر بتاريخ 11-03-2003 و المنشور بمجلة مجلس الدولة العدد 03-2003- ص 143 المبدأ الآتي :
« ان المستأنف عليها أقامت دعوى ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي. معسكر من أجل اصدار قرار يلزمه بتسليم رخصة بناء لتهيئة محل للممارسة نشاط صيدلية
كما أن المستأنف عليها تمسكت في المرحلة الابتدائية بأنها تحصلت على الرأي الموافق لمديرية التعمير غير أن رئيس البلدية رفض تسليم الرخصة بموجب مراسلة و أن الرفض جاء غير معلل و بالتالي مخالف للتشريع المعمول به. حيث أن دعوى المستأنف عليها الأصلية – تسليم رخصة البناء – تندرج ضمن دعاوى القضاء الكامل … حيث أن القاضي الإداري الذي رفعت أمامه دعوى القضاء الكامل لا يمكنه تقدير الواقع ما دام القرار الإداري بالتجميد لم يكن محل طعن بالإبطال.
بالنسبة للقانون الجزائري:
فإنه لا يوجد نص يسمح للقاضي الإداري بتوجيه أوامر للإدارة كما لا يوجد نص يمنعه من ذلك خلافا للقانون الفرنسي الصادر في 08-02-1995 و الذي حسم المسألة نهائيا و أعطى هذه الصلاحية في المادتين 62-77 منه للمحاكم الإدارية و كذلك مجالس الاستئناف الإدارية و لمجلس الدولة بعد أن كان هذا الأخير يصرح دوما بأن القاضي الإداري لا يوجه أوامر للإدارة.
و على كل فإن إلزام الإدارة بمنح رخصة البناء لا يمكن اعتباره حلولا محلها كما كان الأمر في التشريع السابق . و في جميع الحالات إذا تبني للقاضي الإداري أن الملف المقدم من قبل الطالب مطابق لما نصت عليه أدوات التعمير. وأن هذا الأخير قد احترم جميع المواصفات المطلوبة لانجاز البناء. و لا يوجد أي مانع شرعي أو مادي لتبرير رفض الإدارة تسليمه إياها. فيمكن للقاضي في هذه الحالة أن يكيف الرفض على أنه تعدي ما دام أن الأمر يتعلق بالتمتع بحق الملكية و التي لا يمكن أن تقبل التعويض مهما كان معتبرا في جميع الحالات و يلزم الإدارة تسليم رخصة البناء 2 و هذا بالاعتماد على خبرة فنية جدية تكون موافية و لاسيما من حيث الشروط التقنية و مدى قابلية الأرض للبناء عليها و كذا بتعليل قانون دقيق وتسبيب يكون في المستوى من أجل اتخاذ هذا الإجراء.
كما تجدر الإشارة إلى أن سكوت الإدارة عن الرد على الطلب. خلال الأجل المحدد لها قانونا ثم صدور قرار بالرفض بعد انتهاء هذه المدة. اعتبره القضاة الجزائري تجاوز للسلطة ويستوجب إلغاء هذا القرار.
ب_حالة صدور قرار بالقبول ثم اعتماد الإدارة إلى سحبه:
الأصل أن رخصة البناء تنتهي بنهاية المدة المحددة لنفاذها طبقا للنص المادة 49 مرسوم 91-176 إذ تنص :« تعد رخصة البناء لاغية إذا لا يستكمل البناء في الآجال المحددة في القرار المتضمن رخصة البناء» .و بعد آجال الصلاحية المحددة لا بد من تقديم طلب جديد للحصول على رخصة جديدة تعد بدون دراسة شريطة أن لا تتطور أدوات التعمير بشكل مغاير . إلا أنه قد تتدخل الإدارة لانهاء رخصة البناء و إزالة آثارها القانونية بالنسبة للمستقبل والماضي معا و من ثمة فإن سحب رخصة البناء لا يمكن اجراؤه إلا بتوافر شروط معينة وفقا للنظرية العامة لسحب القرارات الإدارية .
كأن تتم عملية السحب من قبل السلطة الإدارية المختصة أو التي تعلوها و أن يكون السحب مبررا لعدم المشروعية و كذا أن يكون خلال مواعيد الطعن بالإلغاء و هي شهرين من تاريخ تبليغ الرخصة و عليه لا يجوز للإدارة سحب قراراتها لمجرد عدم الملائمة أو إعادة التحقيق و هي المسائل التي جسدتها قرارات الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في عدة قضايا« من المقرر قانونا استحالة سحب القرار الإداري الصحيح الذي تتخذه السلطة ويكون منشأ للحقوق.و من ثمة فالإقرار البلدي الملغى لرخصة البناء لمجرد ادعاء لوجود نزاع في الملكية بعد قرار مشوبا بتجاوز السلطة. و لك كان من الثابت في قضية الحال أن القرار المتخذ من رئيس المجلس الشعبي البلدي الذي منح بمقتضاه للطاعن البناء يكتسي الصيغة التنفيذية و يرتب حقوق للمستفيد منه و الذي دون أن يكون مستويا بأية مخالفة فإن الطاعن كان على صواب عند تمسكه ببطلان القرار المطعون فيه المنسوب بتجاوز السلطة» .
«من المقرر قانونا أن الإدارة لا تستطيع الاحتجاج بغلطها لاعادة النظر في وضعية مكتسبة للغير»
« لا يجوز سحب القرارات الإدارية متى كانت قد ولدت حقوق شخصية مكتسبة لأصاحبها»
« حيث أنه طبقا للمبدأ ثابت و معمول به فإن رخصة البناء الممنوحة لا يمكن سحبها»
ج_حالة صدور قرار بالقبول ثم لجوء الإدارة إلى وقف تنفيذ الأشغال:
يثور التساؤل حول مدى جواز الإدارة إصدار قرار بوقف الأشغال بعد تسليم رخص البناء صحيحة .
إن المادة 76 من ق 90-29 قبل إلغاؤها تتعلق بوقف الأشغال المخالفة للقواعد التشريعية والتنظيمية المعمول بها. في هذا المجال دون سواها من الحالات حيث تنص :”في حالة إنجاز أشغال البناء. تنتهك بصفة خطيرة الأحكام القانونية و التنظيمية السارية المفعول في هذا المجال. يمكن للسلطة الإدارية أن ترفع دعوى أمام القضاء المختص من أجل الأمر بوقف الأشغال طبقا لإجراءات القضاء الاستعجالي…”
و الواضح أن المشرع الجزائري آنذاك قد سلب من الإدارة صلاحية التنفيذ المباشر من امتيازات السلطة العامة بل أخضع كل عمليات وقف البناء إلى القضاء عن طريق دعوى استعجالية ترفعها الإدارة شانها شأن الأفراد و قد تم تعديل هذه الإجراءات بموجب المرسوم التشريعي 94-07 و الذي تضمن فقط تثبيت الأمر بوقف الأشغال من قبل قاضي الاستعجال و عليه فإنه فيما عدا حالة انتهاك الأحكام القانونية في مجال التهيئة و التعمير لا يمكن للجهات الإدارية أن تأمر بوقف الأشغال أو تأجيل تنفيذ الرخصة المسلمة بصفة قانونية ولهذا فقد قررت المحكمة العليا على أنه :«من المقرر قانونا أنه عندما يتحصل على رخصة إدارية حتى و لو كانت ضمنية لا يحق للإدارة إعادة النظر فيها عنه طريق اتخاذ قرار ناطق بوقف التنفيذ و من ثمة فإن المقرر الآمر بتأجيل تنفيذ المقرر الأول يعود مشوبا بعيب تجاوز السلطة».
كما يجوز للمعني حتى اللجوء إلى القضاء الإداري الاستعجالي من أجل وقف تنفيذ القرار المتضمن توقيف الأشغال :« يجوز لكل متضرر من قرار رئيس المجلس الشعبي أن يطلب من قاضي الاستعجال طلب وقف تنفيذه ومن ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بمخالفة القانون غير وجيه .و لما كان من الثابت في قضية الحال أن المطعون ضدها لها حق مكرس تمثل في قرار تأسيسها و رخصة البناء التي تحصلت عليها فإن القرار الاستعجالي الآمر بوقف تنفيذ القرار الصادر من البلدية المتضمن توقيف أشغالها يكون قد طبق القانون التطبيق الصحيح».
2_ دعوى التعويض فيما يخص رخصة البناء:
تعتبر دعوى التعويض من الدعاوى الشخصية و على ذلك يجب على المدعي اثبات خطأ ينسب للإدارة و أنه قد مس بحق ذاتي له يحميه القانون و كذا العلاقة السببية و عليه فإنه يمكن تصور قيام المسؤولية الإدارية في هذا المجال في الحالات الآتية :
_ رفض الجهة الإدارية المختصة منح رخصة البناء أو تأجيل منحها لأسباب غير شرعية بالرغم من صدور قرار إداري عن القضاء الإداري يلغي رفض تسليم الرخصة مخالفة بذلك قوة الشيء المقضي به.
_ إصدارها لقرار بقبول تسليم رخصة البناء ثم لجوئها إما إلى سحب هذا القرار بعد انقضاء الميعاد القانوني لذلك أو توقيف الأشغال بدون مبرر شرعي أو ميرر قانونا طبقا لاجتهاد المحكمة العليا.
_ حالة التعدي من قبل الإدارة كحالة لجوء الإدارة إلى الهدم مباشرة. دون اللجوء إلى القضاء أو الهدم الغير مبرر. حيث قررت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا. على أنه «من المقرر قانونا بالمادة 124 من القانون المدني. أن كل عمل أي كان يرتكبه المرء ويسبب ضررا للغير. يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض. و لما كان ثابتا في قضية الحال أن البلدية قامت بالتعدي على الجدار. و تحطيمه بدون أن تحصل على حكم يرخص لها بذلك. بحجة أن الحائط تم بناؤه بطريقة فوضوية. رغم أن المستأنف استظهر برخصة البناء و محضر اثبات الحالة. على أنه لم يغلق مجرى مياه الوادي كما تدعيه البلدية. و عليه فإن البلدية تتحمل مسؤولية خطئها. مما يتعين إلغاء القرار المستأنف الذي رفض تعويض المستأنف» .
_ قيام المسؤولية الإدارية على أساس مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. و هي حالة لا يمكن اسنادها إلى خطأ مرفقي أو مخاطر غير عادية. إذ ينتج عن هذا الوضع تحميل شخصا ما عبئا أو ارتفاقا مع استفادة العامة منه. مما يشكل خرقا لمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. كما في حالة تضمن أدوات التعمير أن القطاع المحدد لا يمكن البناء عليه. لأنه سيكون موضوع لانجاز مشروع ذو منفعة وطنية طبقا لنص المادة 13 من ق 90-29. وعليه فهو قطاع غير قابل للتعمير [المادة 19من نفس القانون]. وهو الأمر الذي يتب ضررا لطالب الرخصة المستوفي لجميع الشروط القانونية. و التقنية المطلوبة من جراء قرار رفض تسليم الرخصة. و بالتالي يمكن للمعني رفع دعوى التعويض أمام القضاء الكامل لجبر الأضرار اللاحقة به.
3_ اجراءات رفع الدعاوى الإدارية أمام القضاء الإداري فيما يخص رخصة البناء:
نتعرض لاجراءات رفع دعوى المنازعة في رخصة البناء من حيث ما يلي :
أ_صفة المدعي :
الأصل أن الدعوى ترفع من قبل طالب رخصة البناء المعني الذي قوبل طلبه بالرفض- الصريح أو الضمني – أو الذي لحقه ضرر من قبل الإدارة . إلا أنه يجوز للغير كذلك رفع هذه الدعاوى عند المنازعة في القرار المتضمن تسليم رخصة البناء و منه :
_الغير صاحب المصلحة :
إن منح رخصة البناء يجب أن يراعي حقوق الغير و إن الغير هو صاحب المصلحة المباشرة و المشروعة في طلب إبطال الترخيص عندما يمس بحالة يحميها القانون فقد يكون من جيران المستفيد كحرمانه من حق المطل أو الأشعة الشمس أو عدم احترام العلو المسموح به …
_الشريك في الشيوع :
إن الشريك في الأرض الشائعة لا يمكنه البناء على جزء مفرز من الأرض الشائعة قبل قسمتها ولو حصل على رخصة للبناء إلا بعد موافقة أصحاب ثلاث أرباع الأرض و الحكم الابتدائي الآتي جاء في حيثياته ما يلي :« حيث يستخلص من المادة 717 من القانون المدني بأنه إذا قام أحد الشركاء المشاعيين ببناء على جزء فرز من الأرض الشائعة قبل قستهما فإن هذا الشريك يكون قد أتى بعمل من أعمال الإدارة الغير معتادة و يترتب على ذلك أن هذا العمل يقتضي موافقة أصحاب ثلاث أرباع الأرض المشاعة حيث أنه والحالة هذه فإن المدعية محقة في منع المدعي عليه من مواصلة أشغال البناء الجارية فوق القطعة المشاعة بينهما رفقة شركاء آخرين …»
_الجمعيات :
كما يمكن للجمعيات المشكلة بصفة قانونية. و تنشط في اطار التهيئة التعمير. و كذا حماية البيئة بموجب قانونها الأساسي طلب ابطال قرار ترخيص. طبقا لمادة 74 قانون 90-29 وكذا القوانين المتعلقة بالمناطق المحمية.
كما يمكن لهؤلاء اللجوء إلى طلب وقف تنفيذ رخصة البناء طبقا للمادة 170/11-12-13 من قانون الإجراءات المدنية. و هذا نظرا لصعوبة تفادي الأضرار واصلاح الأوضاع الناجمة عن رخصة البناء المنشوبة بأية مخالفة للحيلولة دون اتمام البناء بأكمله. « إن وقف الأشغال من قبل الجهة الإستعجالية لا يمس بأصل الحق فهو مجرد تدبير مؤقت لحماية الحق من الخطر الناجم عن مواصلة البناء في انتظار الفصل النهائي في موضوع الدعوى».
ب_مدى شرط التظلم الإداري المسبق:
إنه بعد تعديل قانون الإجراءات المدنية بموجب القانون 90-23 المؤرخ في 18-08-1990. تم إلغاء نظام التظلم الإداري المسبق عندما يتعلق الأمر بالقرارات الإدارية اللامركزية. وتعويضه بإجراء الصلح كبديل له. و عليه أصبح هذا الشرط – التظلم – وجودي فقط فيما يخص الدعاوى المرفوعة ضد القرارات الإدارية المركزية.
إلا أنه بعد صدور القانون 90-29 أبقى على نظام التظلم المسبق و جعله جوازيا للمعني و الذي يكون له الخيار إما القيام به أو رفع الدعوى مباشرة أمام القضاء المختص حيث تنص المادة 69 منه على أنه:
« يمكن طالب رخصة البناء أو التجزئة أو الهدم الغير مقتنع برفض طلبه أن يقدم طعنا سلميا».
_التظلم الإداري المسبق ضد قرار رخصة البناء الصادر عن الوزير المكلف بالتعمير.
طبقا للنص المادة 275 من قانون الإجراءات المدنية. فإن هذا الإجراء هو شرط جوهري من أجل قبول الدعوى القضائية. أما مجلس الدولة و ميعاد رفعه هو شهريين من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه. أو نشره كما على مستوى البلدية أو على مستوى الورشة.
_التظلم الإداري ضد رخصة البناء الصادرة عن رئيس المجلس الشعبي البلدي أو عن الوالي:
إن هذا الإجراء قد تم إلغاءه و استبداله بنظام الصلح وفقا للتعديل الذي جاء به القانون 90-23 المذكورة أعلاه و هو إجراء جوازي حسب القانون 90-29 فيمكن للمعنى إما القيام به أو توجيه دعواه مباشرة أمام الجهة القضائية المختصة.
ج_ ميعاد الطعن القضائي:
يختلف ميعاد الطعن القضائي تبعا لمصدر القضائي الإداري. المتعلق برخصة البناء أي الجهة الإدارية المصدرة له إما الوزير المكلف بالتعمير أو الجهات الأخرى.
_ميعاد الطعن القضائي في قرار الوزير المكلف بالتعمير :
طبقا للمادة 280 من قانون الإجراءات المدنية. فإن ميعاد الطعن القضائي سواء بالنسبة لطالب رخصة البناء أو للغير. هو شهران من تاريخ تبليغ قرار رفض التظلم الإداري الكلي أو الجزئي. أو ثلاثة أشهر من تاريخ توجيه التظلم الإداري في حالة سكوت الوزير أو امتناعه عن الرد.
_ميعاد الطعن القضائي في قرار الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي :
فطبقا للنص المادة 169 مكرر قانون الإجراءات المدنية. فإن ميعاد الطعن القضائي في هذه الحالة. هو أربعة أشهر تسري انطلاقا من تبليغ القرار بالنسبة للطالب الرخصة أو النشر بالنسبة للغير.
د_ الجهة القضائية الإدارية المختصة:
إن قانون التهيئة و التعمير لم يتضمن نصوصا خاصة بالاختصاص القضائي للنظر في الطعون بالإلغاء أو غيرها في القرارات المتعلقة برخصة البناء و بذلك فإن للمدعي أن يرفع دعواه حسب قواعد الاختصاص المبنية في قانون الإجراءات المدنية طبقا للنص المادة 07 و274 منه وعليه فسواء كان الطاعن هو طالب الرخصة أو من الغير فإن الاختصاص النوعي يؤول إلى جهات القضائية الآتية :
_إذا كان الطعن موجها ضد الوزير المكلف بالتعمير .فإن الاختصاص يعود إلى مجلس الدولة حسب المادة 274 من قانون الاجراءات المدنية. و كذا المادة 09/1 من القانون العضوي 98-01 يتعلق باختصاصات مجلس الدولة و تنظيمه و عمله.
_إذا كان الطعن موجها ضد الوالي فإن الاختصاص يعود للمجالس القضائية الجهوية الخمسة وهي : الجزائر . وهران . قسنطينة . بشار و ورقلة .
طبقا للمادة 07 من قانون الاجراءات المدنية و هذا بصفة إنتقالية إلى حين التنصيب الفعلي للمحاكم الإدارية طبقا للقانون رقم 98-02 المتعلق للمحاكم الإدارية المادة 08 منه .
_إذا كان الطعن موجها ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي فإن الإختصاص يعود للغرف الإدارية المحلية للمجالس القضائية كذلك حسب المادة 07 من قانون الاجراءات المدنية .
و تجدر الملاحظة أن جميع الدعاوى الرامية إلى الحصول على تعويض ضد الجهات الإدارية المختلفة فإن الاختصاص يؤول للغرفة الإدارية للمجلس القضائي المختص طبقا للمادة 07 قانون الاجراءات المدنية . إلا أنه و فيما يخص الطعون المرفوعة ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي فإنه لا بد للقاضي أن يتأكد جيدا من طبيعة تصرفه هل مرده تصرفا صادرا باعتباره ممثلا للدولة أو باعتباره ممثلا للبلدية . ففي الحالة الأولى فإن التعويض سيكون على عاتق الدولة و ليس الجماعة المحلية . في الحالة الثانية فإنه يكون على عاتق البلدية . كذلك الشأن فيما يخص الوالي. و لهذا ينبغي على القاضي كذلك أن ينص صراحة. على ذلك في حكمه أو في المنطوق. حتى لا ينفذ الحكم في غير محله و على غير الجهة المحكوم عليها.
ثانيا_ المنازعات التي تختص بها الجهات القضاء المدني:
إن منازعات رخصة البناء التي يختص بها القاضي المدني هي تلك التي ينازع فيها الأشخاص الذين يحكمهم القانون الخاص – أثناء تنفيذ الرخصة – حول مدى احترام أحكام و بنود رخصة البناء عند الإنجاز كالتعدي على الأملاك المجاورة أو البناء بدون رخصة أصلا بشرط أن تلحق هذه الأشغال ضررا شخصيا ومباشر للغير طبقا للقواعد القانون المدني و أن لا ينازع هؤلاء شرعية الرخصة أو في محتواها .
1_ اختصاص قاضي الموضوع:
تؤسس الدعوى في هذا الإطار على وجود خرق القواعد العمران و مخالفة البنود الرخصة من قبل المرخص له بالبناء و تلحق ضرر شخصيا و مباشر بالغير في مفهوم القانون المدني.و بدون مناقشة مسألة شرعية الرخصة أو في محتواها.
كإقامة بناية أو طابق يحجب النور أو الهواء عن الجار أو فتح مطل أو نافذة مواجهة للملكية الغير على مسافة لا تقل عن مترين أو عدم إلتزام المعني بقيود الارتفاع المقرر.و هذا طبقا للمادة 124 و709 . و ما يليها من القانون المدني و كذلك مخالفة القواعد العامة للتهيئة و التعمير المعمول بها. و عليه و في هذا الصدد فإننا نفرق بين حالتين تطرحا على القاضي العادي.
أ_حالة مخالفة المرخص له بالبناء لأحكام و بنود الرخصة:
إن إقامة البناء على خلاف أحكام و مقتضيات رخصة البناء و عندما يسبب أضرار للغير فإن يكون مخالفة للقواعد التهيئة و التعمير من ناحية ثانية لقواعد القانون المدني في باب المسؤولية المدنية الأمر الذي يترتب معه قيام المسؤولية المدنية للمرخص له بالبناء تجاه الغير كعدم مراعاة الارتفاع القانوني المقرر بشكل يتنافى وتوجيهات مخطط شغل الأراضي أو حالة إقامة البناء على أرض مملوكة للغير.
إن الترخيص بالبناء يمنح تحت طائلة الحفاظ على حقوق الغير و عدم المساس بها.فإذا ثبت مخالفتها فإنه يمكن المطالبة باصلاح الضرر الناتج عن المساس الحقوق الخاصة أمام القاضي المدني.وعلى أساس المادة 124 من القانون المدني .ليحكم هذا الأخير بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه تماشيا مع أحكام رخصة البناء كما يجوز له الحكم بالتعويض المناسب عن الضرر الذي لحق بالغير إذا ما طلب منه الخصم ذلك.
في هذا الصدد فإن المحكمة العليا قررت ما يلي :« قيود الملكية – إلحاق ضرر الجار – القضاء بإزالة مصدر الضرر. (المادة 691 من القانون المدني).من المقرر قانون أنه يجب على المالك ألا يتعسف في استعمال حقه. إلى حد يضر بملك الجار ….و لما كان من الثابت – من قضية الحال – أن قضاة الاستئناف حصروا النزاع في تحديد الضرر و مصدره و قضوا بإلزام الطاعن وبتحويل مدخل البناية بعيدا عن مسكن المطعون ضده بسبب الضرر الذي لحقه من جراء ذلك.مؤسسين قرارهم على المعاينة المنجز محضرا عنها فإنهم بذلك قد أحسنوا تطبيق القانون – مما يتوجب رفض الطعن الحالي»
في قرار آخر:« قيود حق الملكية – فتح مطل على الجار يقل عن مترين – لا يجوز ( المادة 709 من ق.م.) من المقرر قانونا انه لا يجوز للجار أن يكون له على الجار مطل مواجها على مسافة تقل عن مترين و من تم فإن النعي على القرار المطعون فيه بخرق القانون غير سديد يستوجب رفضه .
ب_حالة مخالفة أحكام رخصة البناء للقواعد التهيئة و التعمير :
إنه حينما تكون أعمال البناء المرخص بها مصدر الضرر مطابقة لأحكام رخصة البناء و كانت هذه الأخيرة مخالفة للقواعد التهيئة و التعمير . فإنه حسب نص المادة 13-480 L من القانون الفرنسي لا يمكن الحكم ضد صاحب بناية تمت وفق لبنود رخصة البناء باية إلزام إلا إذا تم إلغاء هذه الرخصة مسبقا أمام جهات القضاء الإداري . لذلكيكون لغير المتضرر منها دعويان دعوى إبطال رخصة البناء أو إلغاؤها لتجاوز السلطة أمام القاضي الإداري ثم اللجوء إلى القاضي المدني لاصلاح الضرر الناتج عن المسؤولية المدنية للمرخص له بالبناء من جراء الأشغال التي انجزت وفقا لهذه الرخصة الملغاة .
الأمر المعمول به في القضاء الجزائري – حسب ما أكده لي جميع القضاة – وذلك تطبيق للنص المادة 07 من قانون الاجراءات المدنية و المعيار العضوي . و هذا لاعتبار أن رخصة البناء هي قرار إداري مشروع صادر عن جهة إدارية مختصة و القاضي المدني غير مؤهل لالغائها . مما يستدعي الأمر التصريح بعدم الاختصاص النوعي.
2_ اختصاص قاضي الاستعجال :
إنه يمكن رفع دعوى من قبل المتضرر من تنفيذ رخصة البناء. لطلب وفق الأشغال أمام قاضي الاستعجال. إلى حين الفصل في الموضوع طبقا لقواعد القضاء الاستعجالي. و هذا بتوافر عناصر الاستعجال . وهي الخطر المحدق و الضرورة الملحة و الأمور التي لا تحتمل مرور الوقت. بالنظر لما قد يترتب عنها من أضرار طبقا للمواد 183 و ما يليها. من قانون الاجراءات المدنية. بإجراء وقتي لا يمس باصل الحق . و في حالة البناء بدون رخصة أصلا . فإنه لا يشترط رفع دعوى في الموضوع القبول الدعوى بل إثبات أن البناء يتم بدون ترخيص إداري – و هو أمر كاف للأمر بوقف الأشغال طبقا لاجتهاد المحكمة العليا التي قررت على أنه :«إن القيام بالأشغال بدون ترخيص يمنح للمتضرر رفع دعوى أمام القضاء المستعجل إذا توافرت عناصر الاستعجال مع ذكر الأساس القانوني الذي أدى بالقاضي الأمر بوقف الأشغال » .
ثالثا_ المنازعات التي تختص بها جهات القضاء الجزائي:
إن انتهاك قواعد التهيئة و التعمير – في مجال البناء – يولد المسؤولية الجزائية للمخالفين باعتبارها جرائم يعاقب عليها بنص خاص و هذا لاعتبارها قواعد قانونية من النظام العام وجوهرية مقترنة بجزاء و لا يجوز الاتفاق على مخالفتها و لأنها تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة سياسية و اجتماعية و اقتصادية و ثقافية تعلوا على المصالح الفردية.
و عليه فإن القاضي الجزائي يلعب دورا مهما و حاسما في مهمة الردع و قمع جرائم رخصة البناء. و هذا من اجل احترام أكبر القواعد و التهيئة و التعمير .
لذلك فإن التساؤل يدور حول طبيعة هذه المخالفات و تكييفها القانوني و الجزاءات العقابية المقرر لها و المسؤولين عنها و كذا المتابعات الجزائية أمام جهات القضاء الجزائي .
1_ طبيعة المخالفات :
نصت المادة 77 من قانون 90-29 :«يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 3000 دج و 300.000 دج عن تنفيذ أشغال أو استعمال أرض يتجاهل الالتزامات التي يفرضها هذا القانون و التنظيمات المتخذة لتطبيقه أو الرخص التي تسلم وفقا لأحكامها . و يمكن الحكم بالحبس لمدة شهر إلى ستة أشهر في حالة العود ».
إن المادة 77 أعلاه تعد الركن الشرعي لجرائم التهيئة و التعمير منها الجرائم المتعلقة برخصة البناء خاصة . إلا أن هذا النص الجزائي قد جاء عاما و غير واضح و لم يحدد بدقة ما هي هذه الأفعال المجرمة ولتفادي هذا العيب تدخل المشرع الجزائري بموجب المرسوم التشريعي 94-07 المادة 50 منه و التي حددت أنواع هذه المخالفات كما يلي :
_ تشييد بناية بدون رخصة بناء [ على أرض تابعة أملاك وطنية عامة أو خاصة -على أرض خاصة تابعة للغير –على أرض خاصة ].
_ تشييد بناية لا تطابق رخصة البناء [ بتجاوز معامل تشغل الأرضية] .
_ عدم القيام باجراءات التصريح و الإشهار .
إلا انه أول ما يمكن ملاحظته على هذا النص ما يأتي :
اقتصر في تجريمة للبناء بدون رخصة على أعمال التشييد فحسب و لم يمتد ليشمل باقي الأشغال كالتدعيم و التمديد و التنسيج بدون رخصة و كذا عدم تجديد الرخصة بعد مضي المدة المحددة لها . و التي تبقى حسب رأينا تخضع للنص العام أي المادة 77 من قانون 90-29.
أنه لم يفرق بين مشاريع البناء الكبرى و مشاريع السكن الخاصة و هذا بالنسبة لقيمة أعمال البناء . كمشاريع الترقية العقارية و بناء سكنات ذاتية لتحديد العقوبة .
إن المساحات و الأقاليم و المناطق المحمية لم تحظى بالحماية اللازمة بتشديد العقوبات الأصلية و كذا اجراءات متابعة خاصة . تقريره للعقوبة الغرامات الإدارية الموقعة من قبل الإدارة. طبقا للنص المادة 50 منه خرقا للمبدأ براءة المتهم حتى إدانته من قبل جهة قضائية نظامية. و كذا هي غرامات ضئيلة وتافهة بدرجة كبيرة مما تشجع الأفراد على الاستمرار في ارتكاب المخالفات.
أ_الجرائم المتعلقة برخصة البناء جرائم مادية :
إن جريمة البناء بدون ترخيص تقع بقيام الشخص لأعمال أو منشآت بغير ترخيص أو مخالفة لاحكام الرخصة . و تتشكل هذه الجريمة من ثلاث عناصر أساسية :
_العنصر المادي : البناء و هو العنصر الإيجابي و يتخذ أحد الصور التي تفرضها المادة 52 من قانون 90-29 .
_عدم وجود رخصة البناء : كحالة عدم طلب الرخصة من الجهات الإدارية أو رفض الإدارة تسليم الرخصة إما صراحة بموجب قرار الرفض . أو ضمنيا بسكوتها بعد فوات الأجل القانوني للرد.
_أن يتم البناء في مجال تطبيق رخصة البناء : فإنه لا يمكن قيام الجريمة في مواجهة الأعمال التي تحتمي بسرية الدفاع الوطني م 53 قانون 90-29 . أو الأعمال الخاصة بالهياكل القاعدية الخاصة التي تكتسي طابع استراتيجيا من الدرجة الأولى . التابعة لبعض الدوائر الوزارية أو الهيئات أو المؤسسات م 1 – مرسوم تنفيذي 91-176 . و مع ذلك فلا بد أن يسهر صاحب المشروع على توافقها مع الأحكام القانونية في مجال التعمير والبناء .
ب_ الجرائم المتعلقة لرخصة البناء جرائم مستمرة :
إن فعل الجريمة متعلقة برخصة البناء يشكل جريمة مستمرة ذلك أن أعمال البناء قد تستغرق وقت طويلا في وقوعها بسبب امتدادها في الزمن و عليه يبدأ احتساب مدة تقادم الدعوى العمومية لحظة تمام المخالفة .
ج_الجرائم المتعلقة برخصة البناء جرائم عمدية :
إنه سواء أكان نشاط المتهم عمديا أم لا فإنه عندما يبدأ هذا الاخير في الأشغال بدون رخصة أو مخالفة لمقتضياتها فإن الجريمة تتحقق و ليس له الاحتجاج بحسن نيته من اجل عدم مسألته جزائيا و ليس للقاضي أن يأخذ بهذا الدفع.
2_ التكييف القانوني و الجزاءات المقررة :
تقسم الجرائم بصفة عامة بالنظر إلى جسامتها إلى جنايات و جنح و مخالفات . و فيما يخص الجرائم المتعلقة برخصة البناء . فمن خلال النصوص الجزائية الخاصة بالتهيئة و التعمير. سواء في أحكام القانون 90-29 و المرسوم التشريعي 94-07 أو بعد صدور النصوص العمرانية الجديدة. و المتعلقة بالمناطق المحمية . فإننا نميز بين حالتين :
أولهما : الأصل أن مخالفة قواعد التهيئة و التعمير كالبناء و بدون ترخيص. أو المخالف لأحكامها فإنها تكيفها على أنها جنح و تتراوح عقوبتها مابين 30.000 دج و 300.000 دج كما يمكن الحبس لمدة شهر إلى 6 أشهر في حالة العود1 .
و هذا طبقا لنص المادة 77 من القانون 90-29 و المرسوم التشريعي 94-07 و هذا في حالة ارتكاب المخالفات في المواقع المتعلقة بالأراضي العامرة أو القابلة للتعمير المعرفة بمفهوم المادتان 20-21 من القانون 90-25 المتعلق بالتوجيه العقاري و كذا المواد 19 و ما يليها والمواد 39 و ما يليها من قانون 90-29 و الذي يحدد قوامها طبق لأدوات التهيئة و التعمير ومن الأراضي التي يقتضيها التشريع حسب طبيعتها القانونية.
ثانيهما : جنح مشددة و هذا في حالة ارتكاب المخالفات في المواقع الخاصة و المتعلقة بالمناطق المحمية و المعرفة طبقا للنص المادة 22 من القانون 90-25 و المواد 43-49 من قانون 90-29 و التي صدرت من أجل حمايتها و تهيئتها و ترقيتها و تسييرها القوانين الخاصة بها حيث تنص المادة 44 من القانون 03-03 على أنه : ” يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة واحدة . وبغرامة تتراوح ما بين 100.000 دج إلى 300.000دج. أو لاحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المادة 06 من هذا القانون. ” و المتعلقة بالقيام بأعمال التهيئة أو استعمال مناطق التوسع و المواقع السياحية خلاف لأحكام المخطط تهيئتها.
كما تنص المادة 47 منه أنه :
يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين و بغرامة تتراوح ما بين 500.000 دج إلى مليون دينار . أو باحدى هاتين العقوبتين كل من يقوم بتنفيذ الأشغال. أو استغلال مناطق التوسع السياحي و المواقع السياحية خلافا لأحكام هذا القانون “
و تنص المادة 43 من القانون رقم 02-02 على أنه :” يعاقب بالحبس من 6 إلى سنة و بغرامة من 100.000 إلى 500.000 دج أو باحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المادة 30/2 من هذا القانون ” . و الخاصة بمنع البناءات و المنشآت في المناطق الشاطئية .
كما تنص المادة 79 من القانون رقم 99-01 :” يعاقب كل من يبني أو يغير أو يهدم مؤسسة فندقية بدون الموافقة المسبقة للإدارة المكلفة بالسياحة . كما هو منصوص عليه في المادة 46 من هذا القانون بغرامة مالية ما يبن 50.000دج و 100.000 دج بالحبس من شهر إلى ستة أشهر أو باحدى هاتين العقوبتين “
هذا و تجدر الملاحظة. و فيما يخص التدابير العينية التي يمكن الحكم بها إلى جانب العقوبات الجزائية. فإن القاضي الجزائي و عندما ترتكب المخالفات في هذه المناطق الأخيرة. فإنه ما زال محتفظا بسلطته في الحكم باتخاذ التدابير اللازمة و الضرورية. من أجل فرض إحترام قواعد التهيئة و التعمير فيها. بموجب هذه القوانين كالحكم باعادة الأماكن إلى حالها الأصلي. أو تنفيذ الأشغال الازمة للتهيئة و على نفقة المحكوم عليه. و كذا مصادرة الآلات و الأجهزة و المعدات التي استعملت في ارتكاب هذه المخالفات . و هذا بعد إلغاء المادتان 76-78 من قانون 90-29 بموجب المرسوم التشريعي 94-07 والتي كانتا تمنحا للقاضي الجزائي هذه الصلاحيات و بذلك تقلص دور القاضي الجزائري لينحصر في الحكم بالعقوبة الجزائية دون التدابير و التي أرجعت إلى صلاحيات الإدارة بموجب هذا المرسوم .
3_ المسؤولون جزائيا عن المخالفات :
إنه يثور التساؤل حول المسؤول جزائيا عن جريمة البناء بدون ترخيص أو المخالف لأحكامها ؟ فهل هو مالك الأرض الذي له الحق في طلب رخصة البناء أم المهندس المعماري والذي يجب أن توضع و تؤشر مشاريع البناء و تصاميمها من قبله أم مقاول البناء الذي يعهد اله عمل التشييد في إطار عقد المقاولة طبقا للقانون المدني .
لمبدأ: إن واجب الحصول على الرخصة يقع على مالك الأرض – صاحب المشروع – أو من في حكمه وليس على المقاول أو المهندس المعماري.
و عليه فإن الفاعل الأصلي في هذه الجريمة لا يمكن أن يكون إلا مالك الأرض. وأما المهندس أو المقاول فإنهما يقومان بدور مادي في عمل البناء و التشييد . في اطار عقد معين إلا أنه و مع ذلك نلاحظ أن المادة 77 من ق 90-29 تنص على أنه:
« ويمكن الحكم بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين ضد مستعملي الأراضي أو المستفيدين من الأشغال أو المهندسين المعماريين أو المقاولين أو الأشخاص الآخرين المسؤولين عن تنفيذ الأشغال »
و هكذا فإن المشرع قد وسع في دائرة الأشخاص الذين يشملهم التجريم. و من ناحية ثانية دون الربط بين ملكية الأرض و المسؤولية الجزائية. كما في الحق في البناء. يضاف إلى ذلك فإن كلا من المقاول والمهندس. ليسوا فاعلين أصلين لهذه الجرائم. إلا أنهما يساعدان الفاعل الأصلي. ويعاونه على تحقيق الركن المادي للجريمة. أي التشييد بدون رخصة أو مخالفة لأحكامها. وبدونهما قد لا يمكن للمعني القيام بها و هذا لكونهما شركاء طبقا للنص المادة 41 من قانون العقوبات .
و قد أغفل ق 90-29 و المراسيم المطبق له التعرض للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي خلافا لقوانين حماية البيئة.
و عليه فإن قد يسأل المدير العام أو المشرف على تسير الشخص المعنوي عن جريمة البناء بدون رخصة باعتباره المسؤول عن تنفيذ الأشغال و المستفيد منها بصفته الشخصية و تطبيقا ذلك فإنه قضي بمسؤولية مدير احدى الشركات الذي أمر بالبناء بدون ترخيص لصالح الشركة .
4_ المتابعة القضائية:
يتم تحريك الدعوى العمومية في مادة رخصة البناء أي البناء بدون رخصة أو المخالف لأحكامها طبقا للمادة 01 من قانون الإجراءات الجزائية إما من طرف النيابة العامة أو بالإدعاء المدني.
أ_ تحريك الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة :
للنيابة أن تحرك الدعوى العمومية الناتجة عن جريمة البناء بدون ترخيص أو المخالف لأحكامها بمجرد علمها بأية وسيلة و تعتبر محاضر المعاينة المحررة من قبل الأعوان المؤهلين أهم وسيلة لتحريك الدعوى العمومية من قبل النيابة .
و تجدر الإشارة إلى أن القانون الفرنسي يلزم الإدارة عند معاينتها للمخالفة بأن ترسل نسخة من المحضر للنيابة العامة في حين أن المشرع الجزائري لم يلزمها بذلك عندما نصت
الم03 من الرسوم التنفيذي 95 / 318 والمعدل و المتمم على أنه : يرسل هذا المحضر الى رئيس المجلس الشعبي البلدي والوالي ومدير الولاية المكلف بالتعمير المختص إقليميا . كما أن نماذج المحاضر لا تتضمن ذلك خلافا لما كان معمول به في الأمر 75-67 .
ب_ تحريك الدعوى العمومية عن طريق الإدعاء المباشر:
المشرع الجزائري قد اعترف بالتأسيس كطرف مدني أمام القاضي الجزائري. سواء بالنسبة للمتضرر من الجريمة في حالة إرتكاب المعني للمخالفة البناء بدون رخصة. أو البناء المخالف لأحكامها. أو بالنسبة للغير للجمعيات و ذلك إستنادا إلى نص المادة 74 من قانون 90-29 .
هذا فإنه يرجع التدخل العقابي للقاضي في ميدان رخصة البناء إلى مسايرة الاتجاه العام للقوانين العمران المعاصرة في التمسك بالعقوبة الجزائية من أجل ضمان أكبر لإحترام قواعدها وجهة أخرى تحقيق الردع العام بفرض عقوبات جزائية صارمة كفيلة بضمان ذلك.
_المصادر:
_مذكرة تخرج القاضي: العربي رابح امين، المدرسة العليا للقضاء بالجزائر.
شكرا على مجهوداتكم
السلام عليكم .
نشكركم علة الاهتمام والزيارة نتمنى ان نكون عند حسن الضن .
كل التحية .
المشرف