تعـدي الإدارة علـى الملكـية العقـارية الخـاصة

الملكـية العقـارية الخـاصة محمية قانونا. ويترتـب علي تكريس مـبدأ عدم المسـاس بالملكية الخاصة.  نشـوء التزام قانوني يوجب علي الكافة عــدم التعدي علي ملكية الغير. و لكن قد تحتاج الإدارة الـعامة مركزية كانت أو لا مركزية إلي وسـائل مـادية أو أمـوال تكـفل لـها مباشـرة نشاطها الهـادف إلي تحقيق المنفعة العامة . لهذا فهـي تحصل علـي هذه الأموال بطـرق عديدة و هي الوسائل الإدارية الرضائية المتمثلة في العقد الإداري أو التبادل . وهي متماثلة مـع أساليب القانون الخاص بالاتفاق  و من أمثلتـها عقود البــيع المدنية و التجارية. و منـها أسالـيب لها طابع استـثنائي منصوص عليها بموجب قوانين خاصة و طبقا لإجـراءات معـينة  

هذه الأساليب من شأنها حرمان الشخص من ملـكه العقاري جـبرا عنه لتخصيـصه للمنفعة و المصـلحة  العامة . ولكـن يحـدث و أن لا تحترم الإدارة هذه الإجراءات متعـدية بذلك علي حق الملـكية  العقارية للفرد و هذا عـن طريق أعمال مادية أو  إدارية غير مشروعة تصل إلي حد الانعدام القانـوني.

مظاهر تـعدي الإدارة علي الملكية العقارية الخاصة:

تتجلي انتهاكات الإدارة الموجهة للملكيـة العقارية الخاصة مـن خـلال عـدة مظاهر. قـد تكـون بعمل إداري يتـنافي مع مبادئ المشروعية و قد يكون مـاديا . و الأول  يباشر عن  طريـق قـرارات  تصدرها الإدارة في حق الأفراد و هو ما يسمي بالتعدي الإداري . أما  الثاني فعـن طريق أعمال مادية من تابعي الإدارة  و هو التعدي المادي. و كل هاته الحالات تعتـبر غـير مشروعة لمـا شـابها  مـن عيوب تصل الي حـد الانعدام .

أ_ العـمل الإداري الغـير مشروع:

 مبدأ  المشروعية هو المبدأ الذي يحكم جميع الأعمـال القانونية للإدارة و الـــذي يشـكل ضـمان  حقـيقي لاحترام الحقوق و الحريات الأساسية للمخاطبين بهذه القرارات.  و هذا لـمنع تعسفها في ممارستها لأعمال السلطة العامة. و عليه فإن أي قرار إداري يخرج عن هذا المبدأ يشـكل حالـة من حالات التعـدي. 

إن البحث في مشروعية القرار الإداري يدفعنا للبحث عن العيوب التي تشوب هذا القرار لكي يصبح  غير مشروع. فهذه اللامشروعية قد يكون مصدرها صـدور القرار من جهة غير مختصة و قـد يكون القرار صادر من المختص بذلك لكن الأشكال و الإجراءات الصحيـحة لإصداره لم تحـترم. أو أنها أصـدرته مخالفة للقانون كأن يصدر مجاملة لبعض الأفـراد أو علي سبيل الانـتقام أو التأديب. أو صدر بناء لنص قانوني أسيء فهمه أو أن السلطة مصدرته انحرفت عن صلاحياتها أو أسـاءت استعـمالها. و دون التطرق للجدل الفقهي حول هذه العيوب ما يهـمنا هو أهم حالات اللامشروعية  التي قد تصـيب القرار الإداري و هي كما يلي : 

* عدم الاختصاص:

هو أكثر العيوب شيوعا التي يمكن أن تعيب القرار الإداري. و نظـرا لتعلقه بالنـظام العام فلا يمكن للإدارة أن تصححه بإجراء لاحق . و عرفه الفقه بأنه عـدم القدرة علي ممارسـة عـمل قانوني لأنه  من صلاحـية هـيئة أخري و يمكن أن يأخذ عـدة أوجـه أخطرها اغتصـاب السـلطة.   لأن الأصل هو توزيع الاختصاصات في الإدارة علي أساس الصـلاحيات و الزمان و المكان. فإذا خالف رجل الإدارة مصدر القرار قواعد الاختصاص كان قراره الإداري معيـبا بعيـب عـم الاختصاص. فإذا أصدرت جهة إدارية قرار إداري يتعلق بالملكية العقارية الخاصة بالأفراد دون أن تكون مختصة تكون قد اعتدت عليها. 

* مخالفة القانون:

قد يكون سبب لا مشروعية القرار الإداري راجع إلي مخالفته للقانون.  وهو  عندما يخالف القرار القواعد الدستورية أو التشريعية و التنظيمية. و يتمثل موضوع القرار في الآثـار القانونية التي ينشئها و هي مجموعة من الحقوق و الواجبات المتولدة عن هذا القرار 

* عدم صحة الوقائع المادية التي استندت عليها الإدارة في إصدارها للقرار المخاصم 

* عدم ملائمة القاعدة القانـونية للـوقائع المادية و هو التكييـف الـقانوني للوقائـع 

 فيكون الخطأ في تقدير الواقعة في حالة الخطأ في صحة الواقعة أو تكييفها القانوني. و هذا بالتأكد مما إذا كانت تلك الوقائع  الماديـة تبرر تطبيق النـص القانوني المستند إليه .  و المـجلس الأعـلي باستعـماله لهذه الرقابـة علي الملائمة القاعدة القانونية للوقائع و هي عملية التكييف القانوني توصل إلي إلغاء بعض القرارات. ففي قضية تومارون تم بقرار من والي الجزائر تأميم  أملاك المعني . تطبيقا للمرسوم الصادر في أول أكتوبر 1963 الذي يجيز تأميم الإستغلالات الزراعية العائـدة للأجانب. إلا أن الأملاك هنا هي ملكية للاستعمال السكني . فيوجد خطأ في التكييف القانوني الذي يصححه القاضي بإلغاء قـرار المحافظة.

  * الانحراف في استعـمال السـلطة:

و يقصد به هو استخدام الإدارة لسلطتها من أجل تحقيق غاية غير مشروعة. و أن هذه الهيئة التي ترتكب الإنحراف في السلطة تتخذ قرارا يدخل في اختصاصها . مراعية الأشكال المحددة . و لكنها تستعمل سلطتها لأسباب أخري مخالفة لما هو محدد في النصوص المستند إليها و ما يميز هذه الحالة عن الحالات الأخرى هو أنه و لاكتشاف الانحراف بالسلـطة فإنه من الضـروري البحث عن نية مصدر القرار. و التي تتطلب التمييز بين البواعـث و الدوافع له   فـقد يكـون الهـدف منه هو تحقيق غرض أجنبي عن المصلحة العامة كالأغراض الشخصية.

 ب_ العمل المادي الغير مشروع:

يري الفقيه الفرنسي  دلـو باديـر  أنه ” يكون  اعتداء مادي عندما ترتـكب الإدارة بنشاط مـادي ذي طبيعة تنفيذية. عدم المشروعية واضح و جسيم من شأنه أن يتضمن اعتداء علي حـق الملكية أو مساسا بحرية من الحريات الأساسية “

و لهذا لا يجوز للأمر الإداري أن يعتدي علي حق الملكية و حق الحرية الشخصية. و لو حاز شكــله القانوني لأنه حرمان الشخص من حيازة ما يملكه من عقار. يعتبر الأمر الإداري في هذه الحالة قد فقـد الصفة الإدارية و أصبح عملا من أعمال التعدي المادي أو الغصب.

و يتجسد التعـدي المـادي في حالات عـدة أهمها /

ـ انعدام الأساس القانوني

ـ عدم احترام الإجراءات ـ عدم إتمام الإجراءات

_الاعتداء المادي لانعدام الأساس القانوني :

يتحقق الاعتداء المادي عندما تقوم الإدارة بعـمل  لا يرتبط بتطبيق نص تشريعي أو تنظيمي من شأنه أن يمس بحق من الحقوق الأساسية و هو حق الملكية   و هنا تصرفات الإدارة تكون مشـوبة بخطأ جسيم.

وبفعل التعدي المادي تفقد الإدارة الامتيازات التي تتمتع بها كسـلطة عامة و تعـامل معـاملة الأفـراد و هـذا لفداحة الخـطأ المنسـوب للإدارة. و في اجتهادات المحكمة العليا من خلال قـرارات عـدة حـددت مـوقفها مـن التعدي المادي للإدارة.

و يتحقق هذا الاعتداء المادي بـعد تنفيذ مشروع لقرار مشوب بمخالفة جسيمة تمس بحق الملكية . لـذا نجد حالات الاعتداء المـادي لانعدام الأساس القانوني نادرة جدا علي القضاء لأن القاضي عندما يطرح عليه النزاع يصعب عليه التفرقة بـين الخطأ البسيط و الخطأ الجسيم مما يدفعه إلي إلغاء العمل الإداري علي أسـاس دعوى تجاوز السـلطة و ليس علي أساس الاعتداء المادي.

_ الاعتداء المادي لانعدام الإجراءات :

تتحقق هذه الحالة عندما تقوم الإدارة بتنفيذ عمل إداري حتى و إن كان مشروع . خارج حالات التنفيذ الجبري المسموح به للإدارة. كتهـديم مباشر من طرف الإدارة لعمارة مهددة بالانهيار دون قـرار إداري مسبق يحدد ضرورة تهديمـها لأن فيه مسـاس بحق الملكية العقارية . و هي تشكل أكثر حالات الاعتداء المادي. فعندما يتعـلق الخطـأ الجسـيم بالحريات الفردية  و حق الملكية فإن القضاء الإداري يعلن حالة الاعتداء المادي.

_ الاعتداء المادي لعدم إتمام الإجراءات :

تتبع الإدارة الإجراءات القانونية التـي أوجبـها النـص التشريعي و لكن دون صرف التعويض المستحق عن هذا العـمل مخـالفة بذلـك الدسـتور و أحـكام القانون . فالمحكمة العليا استقرت علي اعتبار أن مخالفة عـدم ايداع مبلـغ التعـويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة لدي الخزينة العمومية تشكل اعتداء مادي يرتب مسؤولية الإدارة . و قد حاولت الحـد من تصرفات الإدارة إذا كانت تتعسف في نقل الملكية بدون تقديم التعويض القانوني . أو ايداع مبلغ التعويض لدي الخزينة العامة.

لتقوم حالة التعدي المادي لابد من قيام عدة عناصر أهمها مايلي: 

v      أن تكون عدم مشروعية العمل جسيمة و ظاهرة . بحيث يفقد هذا العمل الصـفة الإداريـة يخـرج عـن حدود المشروعية و يجعله  منعدم الصلة بوظائف السلطة العامة. و يتحـقق هذا الشرط إذا لجأت الإدارة الي التنفيذ المباشر في غير الحالات الاستثنائية المحددة بموجب نصوص قانونية و بالتالي يدخـل في عـداد الأعمال التعسفية.

v      أن ينتج عن العمل المادي مساسا كبيرا بحق الملكية و بالحقوق العينية الأخرى و بالحريات الأساسية.

v      أن يرتبط بإجراء مادي تنفيذي . إذ لا يكفي اتخاذ قرار من جانـب الإدارة و إنما يجب أن تبادر الإدارة في تنفيذه ماديا . أو شرعت في التهيئة للتنفيذ فالقرار الإداري مهما بلغت عدم مشروعيته لا يمكن أن يكون عملا من أعمال التعـدي إلا إذا انتقـلت الإدارة مـن مرحلة  إصـدار القرار إلي مرحلة التنفيذ الفعلي له.

ج_ القـرارات الإدارية المعدومة:

القرار الإداري المعدوم أو غير الموجود هو القرار المشوب بعيب يصل إلي درجة من الجسـامة بحيث يجرد من صفته كـقرار إداري و يجعل منـه عمل مادي . و يعتـبر قـرار منـعدم الوجـود بأثــر رجـعي بحيث يعتبر كأن لم يكـن . ذلك لأن هذا الانـعدام يجرد العـمل الإداري من صفـته الإدارية و يجعـله عمل مادي.  و قد فرق القضاء الإداري بين القرارات المعيبة بعيب من عيـب عدم المشروعية. و القـرارات الإدارية المعدومة التي تكون مشوبة بعيب جسيم يحولها إلي أعمال مادية بحتة

 إن الفقهاء حاولوا تحديد المعيار الذي يفرق بين درجة انعدام القرار و درجة بطـلانه . فنجـد الفقـيه الفرنسي “لافيـير”  و الذي وضع حجر الأساس لنظرية القرارات المنعدمة . بحيث أتي بمعيار اغتصاب السلطة الذي حدد حالتين لاعتبار القرار منعدما/

* الأولي صدور القرار من فرد عادي أجنبي عـن الإدارة لكن هذه الحالة يصعب تصورها في الواقع الحـالي 

* الثانية هي حالة قيام السلطة الإدارية بإصدار قرار يدخل في اختصاص إحدى السلطتين التشريعية أو القضائية  

كما يعتبر القرار معدوما في حالة عدم الوجود المادي له. و يتحقق ذلك في صورتين /

* صورة توهم الإدارة وجود قرار لم يوجد بعد كأن ينسـب القرار خطا للسلطة الإدارية. أو كأن يكـون القرار في مراحل التكوين و لم يتعد الخطوات التمهيدية

* أما الصورة الثانية فتحدث في حالة صدور قرار إداري ثم يصدر قرار يسحبه أو يلـغيه من الجـهة الإدارية فإن القرار يصبح معدوما

يفرق الفقه و القضاء في مجال الاختصاص بإصدار القرار بين درجتين لعيب عدم الاختصاص. الأولـي تتمثل في عدم الاختصاص البسيط أو العادي الذي يعيب القرار الإداري. و يجعله قابلا للإلغاء عند الطعن فيه أمام القضاء الإداري بدعوى الإلغاء. أما النوع الثاني فيتجسد في عيب عـدم الاختصاص الجـسيم و الذي أطلق عليه باغتـصاب السلطة الذي يتـرتب عليه اعتبـار الـقرار الإداري منعدما و عديـم الأثر.

حالات عدم الاختصاص:

تتمـثل في الحالات التـي يتخذ فيها قـرار إداري سواء من شخص أجنبي تـماما عن السلم الأعوان الإداريين . أو من سلطة إدارية التي تعتدي علي اختصاصات السلطة القضائية أو التشريعية مخالفة بذلك المبادئ القانونية الأولية. هذا الشكل من عدم الاختصاص هو الأكثر جسامة ولا  يؤدي بالقاضي فقط الي التصريح بان القرار باطل بل هو معدوم. و بالتصريح بالانعدام فان القرار يعتبر حكم الفعل المادي ليس له و لا يمكنه مطلقا ترتيـب أية اثار قانـونية.

عندما يكون العيب جسيما يصل إلي حد الغصب و يعتبر القرار بالتالي منعـدما و يترتـب علـي ذلـك أن القرار يفقد صفته الإدارية و يقول القضاء أن الغصـب ينـزل بالقرار إلي مرتبـة الفعـل المـادي و الدعوى هنا لا ترمي إلي إلغاء القرار و إنما إلي تقرير انعدامه  

 إن القضاء الجزائري لا يأخذ بنظرية الانعدام إلا نادرا و لا يصرح بها في منطوق القرار القضائي. بل يكتفي بعبارة الإبطال مـع الإشارة بأن القضـاء ين المصري و الفرنسي هما الوحيـدان اللذان يشيران بصراحة إلي العيب الذي يشوب القرار الإداري  

مع الإشارة أن القاضي الإداري هو المختص للفصل في القضية إذا كنا بصدد قرار منعدم  حسب المعيار العضوي المكرس في المادة السابعة من قانون الإجراءات المدنية 

المصدر:

_المكتبة القانونية العربية 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: لا يمكنكم نقل محتوى الصفحة . من اجل الحصول على نسخة اذهب الى اسفل المقال