مخططات الهندسة المعمارية وتحديات الحفاظ على الهوية في النمط العمراني الجزائري
الهندسة المعمارية تعرف بارتباطها الوثيق بالفن وعلم الهندسة في الوقت في الوقت ذاته فإن فن العمارة هو ابتكار وتخيل الشكل الخارجي للبناء أو العقار. ومن ثم إمكانية رسمه وتصميمه على الورق بأدق التفاصيل. ثم متابعة وتوجيه المهندسين المدنيين خلال فترة التشييد. وكل هذا ضمن معايير علمية محددة تضمن لهذا الخيال أن يتحقق على شكل بناء ويكون صالح للعيش فيه بسلام وأمان. وإمكانية مواجهته للحوادث الطبيعية العادية والطارئة.
كما أن من وظائف المهندس المعماري مراعاة الوقائع البيئية والجيولوجية لموقع البناء. ومراعاة ظروف المنشآت المجاورة أثناء القيام بالتصميم الجديد. سواء كان بناءً سكنياً. أو منشأة وما إلى ذلك…
ويجب أن يراعي أيضاً هذا الابتكار أيضاً حاجات الناس اللازمة من هذا البناء. فمثلاً عمارة الجوامع يجب أن تذكر من يراها بالتاريخ الإسلامي العريق. لتغطي الجانب الروحي. أما تصميم الجسور يجب أن تذكر بالمتانة أولاً ثم الجمال. الأبنية السكنية يجب أن تتسع لعدد جيد من الناس ضمن مساحة مناسبة ومريحة.
في الجزائر الغنية بمناطقها وإرثها وثقافتها المتنوعة. برزت عدة أشكال وطرازات معمارية محلية وتأسست الكثير من المدن الجديدة. شهدت نشوء هندسات معمارية وأنماط عمرانية متنوعة.
إن مشكلة العمران في الجزائر بالعموم والهندسة المعمارية بالخصوص لم تكن في الماضي ولا في التاريخ بل مشكلاتها الكثيرة والمتعددة بدأت منذ فجر الاستقلال وإلى يومنا هذا وحتى في العهد الاستعماري كان العمران الخاص بالمعمرين في أحسن أحواله وكانت الهندسة المعمارية تتطور وكان المهندسون المعماريون يشرفون وينظمون ويخططون لكل إنجاز فتأسست كبريات المدن في العهد الاستعماري بطرق فنية جيدة على الطراز الأوروبي حيث تم مراعاة الجانب الجمالي والفني والوظيفي في هذه المدن وكل منشآتها.
أما اليوم. تعاني الهوية المعمارية الجزائرية اضطرابات في ضبط معالمها وخوصصة نواحيها التشكيلية الفنية. هذا الشرود في تأسيس الهوية الفنية الجزائرية انعكس سلبا على الطابع الجمالي المعماري. وخاصة مع تفاقم متطلبات المجتمع السكنية.
أولا_ماهي الهندسة المعمارية :
الهندسة المعمارية من اقدم العلوم التي كان لها تأثير كبير على الدول السابقة، حيث كانت تتفاخر الدول السابقة بالمنشئات المعمارية في اراضيها، حيث كان للمهندس المعماري مكانة مرموقة في المجتمع و عند ذوي القيادة في البلدان و في الحقب السابقة كان المهندس المعماري له مكانه بين الناس عند ذوي القيادة، حيث كان في المرتبة ببعض الازمنة يعلو القادة العسكريين في منصبه. فالهندسة المعمارية و على مر الازمنة تعد فن و علم تصميم و تخطيط و تنشيد المباني و المنشئات، فهي التي تبدأ من الصفر الى النهاية في مراحل البناء.
1_تعريف الهندسة المعمارية:
تعرف الهندسة المعمارية بأنّها فن وتقنيات التصميم والبناء، والهدف منها هو المزج بين المتطلبات العملية والجمالية للبناء، ولا يمكن الفصل بين تلك المتطلبات في عمل المهندس المعماري، رغم أنّه يمكن ترجيح كفة أحد الشقين على الآخر وفقاً لطبيعة المجتمع والمكان وعلاقة البناء بجوانب الحياة اليومية، وتحمل الأعمال التي يمكن أن يطلق عليها بنيت وفق رؤية معمارية ثلاثة عوامل أساسية تميزها عن المباني الأخرى، وهي:
ملاءمة البناء للاستخدام البشري والأنشطة التي صمم من أجلها. ثبات ودوام البناء. و تعبير البناء وتواصله من حيث الشكل والمضمون.
2_ الفرق بين الهندسة المدنية والمعمارية
يعمل المهندسون المعماريون والمدنيون على المشاريع معًا في عملية تكاملية، حيث يأتي المهندس المعماري في بداية العملية الإنشائية لإخراج الرسومات والمخططات اللازمة لأي مشروع ليقوم المهندس المدني بترجمة تلك المخططات واللوحات على أرض الواقع، لتحقيق رؤية إبداعية معمارية وأمان واقتصاد ومهنية مدنية عالية، ومع ذلك، فإنّ المهام التي يقوم بها كلٌ منهما مختلفة تمامًا، ومقارنة هذين الخيارين الوظيفيين ومعرفة المزيد عن الفرق بين الهندسة المدنية والمعمارية يأتي من خلال الفهم الصحيح لدور كل منهما في المشروع، حيث تركز الهندسة المدنية على كيفية بناء الأشياء بمعايير الأمان بأقل كلفة وأسرع وقت وحسب مخططات البناء، بينما تحرص الهندسة المعمارية على أن يكون التصميم جذّابًا من الناحية الجمالية بشكل يلبي متطلبات العميل وبطريقة فنّية مع مراعاة المتطلبات التصميمية، ويحرص كل منهما على زيارة مواقع البناء لضمان اكتمال العمل بشكل صحيح وفي الإطار الزمني المحدد حسب المخططات.
3_مفهوم فنّ التصميم المعماري:
إنّ مصطلح فن التصميم المعماري. يدل على كافّة العمليّات المنطقيّة والفنيّة والعلميّة. التي تكون قادرة على أن تحدّد الأشكال والتنظيمات وأيضاً العمليّات التي يمكن لها أن تخلق للإنسان المساحات من أجل أن يستطيع تنفيذ الأنشطة التي يحتاجها. هذا المفهوم تغيّرت أهدافه مع مرور الزمن. حيث يؤكّد جان باتيست لو روند دالمبرت عام ألف وسبعمئة واثنين وخمسين ميلادي. بأنّ فنّ العمارة قد نشأ نتيجة للحاجة.
إلاَّ أنّه تطوّر نتيجة للترف. فتحوّلت الأكواخ التي عاش بها الإنسان قديماً. إلى قصورٍ. إنّ فنّ التصميم المعماري هو عمل فنّي بامتياز. وهو عمل خلاّق. فكثير من الأبنية التي تمّ تصميمها منذ سنين خلت ما زالت حتّى يومنا هذا تُعتبر أعمالاً فنيّة أكانت تراثيّة أم أثريّة أم حديثة. وتُعدّ أحد أهم المعالم في البلاد. والتي يقصدها الزوّار فقط لرؤية روعة التصميم المعماري البديع. كما أنّ فنّ العمارة يُعتبر من أقدم المهن في العالم التي عرفها الإنسان وقام بممارستها عبر الزمن. فالتصميم المعماري كمادة علميّة اليوم يُدرّس في معظم الجامعات والمقررات التي تختصّ بالهندسة المعماريّة.
هنالك عدّة علوم متعلّقة بفنّ العمارة. حيث تؤثّر فيها. وهي: علم الفلسفة. وعلم الاجتماع. وأيضاً علم النفس. وعلم الرياضيّات. إضافة لعلوم المواد. والتاريخ. وعلم الهندسات التطبيقيّة. وأيضاً علم الإنشاء. وسائل التصميم المعماري لتصميم أيّ مشروع معماري هنالك حاجة إلى عدّة وسائل ووسائط وارتكازت. وهي: تحديد نوع المشروع. الموقع الذي سيتمّ تصميم العمل المعماري فيه. حيث يتمّ تحديد المنطقة والحي والمكان الملائم. مع حساب التكاليف المتعلّقة بالمشروع. إضافة إلى النظر إلى المعوّقات التي قد تعترضه. التقسيمات. ويعني فيها تجزئة المناطق وتقسيمها. والتنظيمات التي يتمّ فيها تحديد نوع البناء الذي سيُقام. وتحديد الارتفاعات. إضافة إلى طرق البناء. المميّزات الطبوغرافيّة. حيث يتمّ تحديد المشروع أكان ضمن أرضٍ منحدرة مثلاً أو أرضٍ مستوية. حركة الطرق المؤدية للمشروع. المسارات. والتي هي ضمن المشروع الواحد.
4_ متطلبات التصميم المعماري:
إنّ التصميم المعماري لأيّ مشروع يتطلّب عدّة أمور يجب العمل عليها. وهي: مخطّط علاقات. رسم تخطيطي. تصميم خطّة. تصميم خاص بالواجهة الرئيسيّة للمشروع. يتضمّن أيضاً هذا التصميم عدّة أسئلة قبل البدء في التصميم. وأوّلها السؤال عمّن سيستخدم هذا المشروع؟ وثانياً مدى حاجته لهكذا مشروع؟ والثالث هو كيفيّة الوصل إليه؟ وعند الإجابة الكافيّة والوافية عن هذه الأسئلة. يمكن رسم مخطّط للعلاقات.
المهندسون المعماريون يقومون على تصميم مختلف المباني والهياكل التي تشمل المباني بمختلف أشكالها. و تحديد مواقع الغرف وأحجامها واستغلال المساحات لمحاولة تنفيذ رؤية صاحب المبنى على أرض الواقع. تحقيق مواصفات تصميمية وجمالية من ناحية الموقع والواجهات والإضاءة والتهوية والكهروميكانيك. إنشاء الرسومات المعمارية والمدنية الإنشائية والميكانيكية والكهربائية وكافة المخططات اللازمة. تقدير الميزانية والوقت وتقديم خطط للعملاء وتطوير العقود. في حين يتحمل المهندسون المدنيون مسؤولية الإشراف على الطرق والجسور وأنظمة المياه والمباني والسدود وغيرها من الهياكل وتصميمها والحرص على الإشراف عليها لإتمامها على أكمل وجه كما المخططات. ويقضي المهندسون المدنيون وقت كبير في المكتب لتصميم وتخطيط المشاريع. ويتبع ذلك النزول على المواقع للإشراف على إنجاز العمل.
ثانيا_مخططات الهندسة المعمارية و أنواعها:
إن نجاح مهمة البناء مرتبط بحسن تنظيم العلاقات التي تشخص بالاتصالات و التبادلات التي تتم بين المتدخلين عبر ما يعرف بالملف التقني الذي يحتوي على ما يسمح لكل طرف بترك بصمته في فعل البناء سواء كان طرفا متعاقدا . صاحب مشروع . مقاولا أو صاحب أشغال أو هيئة مراقبة تقنية.
1_تعريف مخططات البناء:
مخططات البناء هي مجموعة الرسومات التي تتكون من مخطط الأرضية ومخطط الموقع والمقاطع العرضية والارتفاعات والرسومات الكهربائية والسباكة والمناظر الطبيعية لسهولة البناء في الموقع. حيث أن الرسومات هي وسيلة نقل وجهات نظر ومفاهيم المهندس المعماري أو المصمم إلى واقع ملموس.
بالنظر إلى تفاصيل المشروع وتعقيده. يتم إصدار أنواع مختلفة من الرسومات بواسطة مهندس معماري من أجل الفهم السهل والعمل السلس لعملية البناء. وعليه ما هي أنواع مخططات البناء؟
2_أنواع مخططات البناء:
_مخطط الموقع:
هو مخطط يحدد موقع قطعة الأرض المراد استغلالها للبناء في البلدية أو الدائرة أو الولاية ضمن منشآت أخرى جاهزة يمكن أن تكون طريقا أو مبنى …_
_مخطط الكتلة _ Plan de Masse_ :
مخطط الكتلة هو رسم تفصيلي شامل للمبنى أو الشقة التي تمثل مخططًا كاملاً للمبنى. يعرض حدود الملكية ووسائل الوصول إلى الموقع. والهياكل المجاورة إذا كانت ذات صلة بالتصميم. بالنسبة لمشروع البناء. تحتاج خطة الكتلة أيضًا إلى إظهار جميع توصيلات الخدمات مثل خطوط الصرف الصحي والسباكة وإمدادات المياه والكابلات الكهربائية والاتصالات والإضاءة الخارجية وما إلى ذلك. إنّه أول تصميم تم إنشاؤه لأي مشروع قبل الدخول في عملية التفصيل. حيث يُعد وضع مخطط كتلة أداة لتحديد كل من تخطيط الموقع وحجم واتجاه المباني الجديدة المقترحة. يجب أن تتوافق هذه الرسومات مع قوانين التطوير المحلية. بما في ذلك القيود المفروضة على المواقع التاريخية. حيث أنه بمثابة اتفاق قانوني للحصول على إذن البناء من الهيئة الحكومية. لهذا. من الضروري أن يتم وضع مخطط الكتلة من قبل محترف مرخص مثل المهندس المعماري أو مهندس المناظر الطبيعية أو مساح الأراضي.
_مخطط التوزيع:
تعني الخطة. المنظر العلوي لأي مبنى أو كائن. مخطط الأرضية هو الرسم التخطيطي المعماري الأساسي. وهو عرض من الأعلى يوضح ترتيب المساحات في المبنى بنفس طريقة الخريطة. ولكن مع إظهار الترتيب على مستوى معين من المبنى. يُعرَّف عرض مخطط الأرضية بأنه الإسقاط الهجائي الرأسي لكائن على مستوى أفقي يقطع المبنى. حيث يعرض هذا الجدران والنوافذ والأبواب والميزات الأخرى مثل السلالم والتجهيزات وحتى الأثاث أيضًا. عادة ما يتم تقديم مخطط الأرضية في شكل ثنائي الأبعاد. والذي يحتوي على جميع القياسات والتفاصيل. والآن أيام من أجل فهم الخطة وتصورها بشكل أفضل قبل البناء. يتم وضع مخططات الأرضيات ثلاثية الأبعاد حيث يمكن للمرء أن يرى كيف تبدو الشقة بأكملها مع الأثاث من الأعلى. وهذا يمنح طريقة لرؤية ليس فقط كيف تتناسب الأشياء في الفضاء. ولكن كيف تبدو قطع الأثاث المحددة معًا.
_مخططات الأساسات و التطهير :
تبين هذه المخططات وضعيات الأساسات و ما يتخللها من فتحات و قنوات التطهير و صرف المياه.
_مخططات المقطع العرضي:
هندسيًا. المقطع العرضي هو إسقاط إملائي أفقي لمبنى على مستوى عمودي يقطع المبنى. والمقطع العرضي هو مقطع قطع رأسي لأي مبنى يوضح تفاصيل أبعاد وسُمك أي مكون من مكونات المبنى. يمثل ارتفاع العتبة وارتفاع العتبة وارتفاع الأرضية والتفاصيل الدقيقة الأخرى للهيكل. كما يتم تمثيل مستوى المقطع حيث يتم قطع الخطة رأسياً في مخطط الطابق ثنائي الأبعاد بخط مستقيم منقط عريض.
_مخطط الارتفاع:
رسم الارتفاع هو رسم إسقاط إملائي يظهر جانبًا واحدًا من المنزل. الغرض من رسم الارتفاع هو إظهار المظهر النهائي لجانب معين من المنزل وتأثيث أبعاد ارتفاع رأسية. حيث تنقسم بشكل رئيسي إلى نوعين.
_الارتفاع الخارجي:
الارتفاع الخارجي هو التمثيل الخارجي للمبنى. ويتكون من تفاصيل نوع الإنهاء وارتفاع الأرضية والإسقاطات إن وجدت. حيث يمكن أن تكون الارتفاعات الخارجية رسومات ثنائية الأبعاد أو ثلاثية الأبعاد. عادةً ما تحتوي الرسومات ثنائية الأبعاد على قياسات عليها. توضح مكان العلاقة بين العناصر الخارجية مثل الأبواب والأضواء. ويمكن أن تحتوي الارتفاعات ثنائية الأبعاد أيضًا على وسائل شرح لأنواع مختلفة من الطوب والأحجار والدهانات. حتى تعرف بالضبط إلى أين يجب أن تذهب كل مادة. تتشابه العروض الخارجية ثلاثية الأبعاد مع نظيراتها ثنائية الأبعاد. إلّا أنها تركز بالكامل على الصورة المرئية. في معظم الأحيان. يكون العرض عبارة عن رسم مفهوم يجب أخذه إلى من يقوم ببناء مشروعك لمنحهم فكرة عما تريد أن يبدو عليه الشكل الخارجي.
_ الارتفاع الداخلي:
الارتفاعات الداخلية تشبه إلى حد كبير الارتفاعات الخارجية من حيث الغرض. حيث تعتبر الارتفاعات مفيدة للغاية عند إنشاء غرفة مثل المطبخ أو الحمام. والتي تتطلب تصورًا للعناصر المضمنة. عادةً ما تكون الارتفاعات الداخلية ثلاثية الأبعاد تُظهر أثاثك في مساحتك. ويؤثر الارتفاع الداخلي كثيرًا على الحالة المعيشية والعقل الهادئ. كما في هذه الأيام. يتم إعطاء أهمية كبيرة للارتفاع الداخلي أكثر من الارتفاع الخارجي.
_مخططات المناظر الطبيعية:
يحتوي المنزل أو المبنى المثالي على حديقة خضراء مورقة مجاورة له. ممّا يعزز جمال المبنى أو مظهره الجمالي. حيث يتجه توظيف مهندس المناظر الطبيعية لتجميل المنازل الآن في أيامنا هذه. في مخططات المناظر الطبيعية. سترى كل شيء من الزهور إلى الأرصفة وزخارف الحديقة إلى النوافير. حيث يتكون بشكل رئيسي من الأرصفة والمزارع والميزات الزخرفية الأخرى التي يمكن أن تعزز منطقة المعيشة.
ثالثا_التأثير السوسيولوجي للمجتمع على النمط العمراني في الجزائر:
يحلّل باحثون ومختصّون “سوسيولوجيا النمط العمراني انطلاقًا من الممارسات الاجتماعية السائدة في المحيط المعماري محلّ الدراسة. والذي يخضع في حدّ ذاتها إلى عوامل اقتصاديه. ثقافية وسياسية.
في جميع دول العالم. تؤثّر العمارة في المجتمع وتتأثر به. وفقًا لاحتياجاته والظروف التي يفرضها كل عصر جديد. فبعد قيامها لوقت طويل على الفولاذ استجابة لحاجة الحماية والأمن. ظهرت هندسة الزجاج. لتعبر عن الحاجة المتزايدة للشفافية و الجمالية في العصر الحالي. وتغير التصميم العمودي الذي كان سائدًا. وحل محله نموذج التصميم الأفقي الذي تبحث المؤسسات من خلاله عن كسر حواجز الهيكل التنظيمي الرأسي. مثل هذه التحوّلات تحدث وفقا لمتطلبات المجتمع. وفي الجزائر تخضع العمارة أيضًا إلى حاجات الشباب الذي يمثل النسبة الغالبة من الشعب. فكان التصميم السائد قبل العشرية السوداء يتمثل في “المنازل الأرضية” التي يكون بها فناء واسع وحديقة صغيرة تزرع بها بعض أنواع الخضروات وأشجار الفواكه الموسمية. ولكن مع موجة النزوح الريفي التي اتسمت بها بداية الألفية الجديدة. ظهرت البنايات العالية بشكل عام. سواء في المدن الكبيرة أو الصغيرة وفي الأحياء الراقية والبسيطة.
1_التوجه العمراني الجزائري: الفائدة الاجتماعية مقابل الهندسة المعمارية.
تعبّر الهندسة المعمارية في الجزائر. بشكل أو بآخر عن ثقافة وملامح المجتمع الذي أنتجها والشباب الذي يعيش في هذا الفضاء المعماري الذي يتّسم بشكل عام بالفوضى وإهمال تام لجمالية واجهة البنايات. سواءً تعلّق الأمر بالعمارات. الفيلات. السكنات الأرضية أو المؤسّسات العمومية والخاصّة.
وتستند البنايات العالية والمنازل متعدّدة الطوابق. إلى مبدأ تحقيق “الفائدة الاجتماعية”. حيث تسعى العائلات الجزائرية من خلال هذا الخيار لضمان دخل مالي من جهة. ومسكن لأبنائها على المدى البعيد من جهة أخرى.
تقوم هندسة معظم البيوت الجزائرية على تخصيص الطابق الأرضي كـ محلّات تجارية يقوم صاحب البيت بفتحها أو تأجيرها. ثم طابق أوّل للسكن. وبعدها ترك البناية غير مكتملة. وعلى هذا الأساس سيكون للأبناء الراغبين في الزواج مستقبلًا فرصة لبناء طابق ثان وثالث من أجل السكن فيه. ولهذا نجد أن غالبية البنايات الجزائرية في معظم الولايات غير مكتملة بما فيها تلك التي شيّدت منذ سنوات طويلة. وفي سبيل تحقيق مبدأ “الفائدة” دائمًا لا يحترم العديد من السكان عدد الطوابق المسموح بها. ويلجأون لبناء أربعة بدل ثلاثة طوابق.
في كثير من الأحيان يقدم السكان نموذجا عن تصميم البناية لطلب رخصة البناء من السلطات المعنية. ثم لا يحترمون ما ورد في التصميم الذي يدخل عليه صاحب البيت ما يشاء من تغييرات عشوائية. ويصل التفكير بـ”الفائدة” في العمارة إلى حد قيام سكان العمارات بتهديم بعض الجدران وإعادة تصميم البيت من الداخل وفقا لمتطلباتهم. وهو ما تسبّب في مرّات كثيرة في حوادث انهيار ببعض العمارات.
2_الجمال آخر ما يهمّ:
إن آخر ما يفكّر فيه الفرد الجزائري جمالية وشكلها الخارجي. لأن أوّل وآخر ما يسيطر على تفكيره هو الحصول على بناء يوفّر له أكبر قدر من الفائدة من ناحية المساحة والراحة ويضمن له مدخولًا ماليًا عن طريق فتح محلّ صغير في إحدى غرفه أو تأجيرها لعائلة صغيرة. وعن الشكل الخارجي للبيت الذي غالبا ما يكون بدون طلاء . لان طلاء البيت من الخارج مكلف جدًا. وينظر كثير من الجزائريين دائمًا إلى الشكل الخارجي والجانب الجمالي للبنايات على أنه أقل من أولوية. وإن كان هناك من يحترم على الأقل تصميمًا معماريًا بسيطًا. فهناك من يستغني عن ذلك بشكل تام. ولا يقتصر هذا الأمر على البنايات الفوضوية وإنما القانونية أيضًا ما يعكس مستوى تدهور الهندسة المعمارية في الجزائر بشكل عام.
3_لا مجال للإبداع:
ارتباط الهندسة المعمارية في الجزائر بفكرة “الفائدة” أو المصلحة لدى كثير من الجزائريين. مبدأ “الفائدة” في هذه الحالة؛ يرتبط بتخفيض تكاليف التصميم المعماري وطبيعة الزبائن الذين لا يهتمون بالتصميمات الحديثة والمبتكرة بقدر اهتمامهم بالتكاليف المنخفضة والتصاميم البسيطة غير المكلفة. وقد يستغني آخرون نهائيا عن خدماتهم ويتحوّل صاحب البيت نفسه إلى مهندس يصمم ما يشاء بالطريقة التي يشاء دون أدنى قواعد علمية أو رقابة تمنعه.
تحليل سوسيولوجيا العمارة في الجزائر. يكشف أنه من الصعب جدًا توقّع بروز اهتمام بالجانب الجمالي للبنايات في المستقبل القريب. لا سيما بعد فشل تطبيق قانون قواعد مطابقة البنايات وإتمام إنجازها الذي صدر سنة 2008. من أجل حل مشكلة البنايات غير المكتملة والاهتمام بواجهتها الجمالية.
يحدث هذا في وقت يطرح فيه باحثون موضوع الانتقال من فكرة “الفن والجمال” في الهندسة المعمارية إلى فكرة “الفن والتعبير”. أي أن يصبح لكل بناية تعبير خاص. مثلما فعل الألماني ميز فان دير روهي الذي وضع تصاميم لناطحات السحاب المكوّنة من الزجاج والفولاذ. ولأن التصميمات التي وضعها تتميز بالارتفاع العمودي. استعمل المهندس مادة صلبة كالفولاذ وأخرى شفافة كالزجاج. ليشير إلى أن الارتقاء العمودي يلزمه شفافية يمثلها الزجاج وإرادة صلبة يمثلها الفولاذ.
المصادر: