الإستثمار الأجنبي المباشر وتأثيره على الدول النامية

الإستثمار الأجنبي المباشر ظهر في إطار عولمة إقتصادية واسعة الأبعاد. حيث تسعى الكثير من البلدان النامية إلى بناء قاعدة إقتصادية تكسبها مكانة تنافسية في السوق العالمية. و لتحقيق ذلك كان عليها أن تعمل على جلب أكبر قدر ممكن من رؤوس الأموال الأجنبية.

و لقد أثبت الإستثمار الأجنبي المباشر مرونته خلال الأزمات المالية. لذلك فإن العديد من الدول النامية تفضله على التدفقات الأخرى لرأس المال الأجنبي. لكن بالرغم من وجود شواهد جوهرية على أن هذا الإستثمار يعود بالفائدة على الدول المضيفة. فإن عليها أن تقوم تأثيره المحتمل بعناية و واقعية.

إن المأثور التقليدي لإقتصاد التنمية قد نظر باستمرار إلى تأثير الإستثمار الأجنبي المباشر على الدول النامية نظرة حسنة. و هو منظور ناشئ مباشرة عن الإفتراضات الكلاسيكية الحديثة السائدة عن عمل السوق. إذ أن المستثمرين الأجانب يقومون بجلب موارد جديدة نادرة و التي تتمثل في التكنولوجيا و حتى الإدارة و مهارة التسويق. كما أن وجود الإستثمار الأجنبي المباشر يزيد المنافسة في الدولة المضيفة. وبذلك تحسين الكفاءة وزيادة فرص العمل.

لذلك نجد أن صانعي السياسات الإقتصادية في الدول النامية يولون أهمية بالغة للإستثمارات الأجنبية المباشرة عند صياغتهم لخطط التنمية الإقتصادية والإجتماعية بهذه الدول وهنا بعد أن أدت هذه الإستثمارات دورا متميزا في كل من الدول المتقدمة و حديثة التصنيع على حد السواء.

إن الإستثمار الأجنبي المباشر يساهم بشكل كبير في تحسين وسائل الإنتاج المختلفة سواء التقنية أو الإيجارية. بالإضافة إلى تطوير البنية الأساسية للدول المضيفة. كما أن الحصول على التقنية من خلال الإستثمارات الأجنبية المباشرة يؤدي إلى إستفادة المؤسسات المحلية للبلد المضيف من تواجد هذه التقنية. و ذلك من خلال الأفكار الجديدة في العملية الإنتاجية ونوعية التدريب العملي للعمالة المحلية من قبل الشركات متعددة الجنسيات التي تستثمر في البلد المضيف.

و بناء على ذلك. أضحى من أولويات الدول النامية تبني الإصلاحات الإقتصادية و تهيئة الأرضية المناسبة لجذب أكبر قدر ممكن من الإستثمارات الأجنبية المباشرة.

أولا_ مفهوم و خصائص الاستثمار الأجنبي المباشر:

إن إعطاء تعريف دقيق  للإستثمار الأجنبي المباشر يعتبر من أصعب الأمور التي تواجه الباحثين في هذا الميدان. وهذا راجع إلى التعقيدات الناجمة عن اختلاف المعايير الإحصائية والقانونية. و كذا المشاكل المترتبة عن قياس تدفقاته.

و حتى يتسنى لنا فهم هذه الظاهرة الاقتصادية (أثر الاستثمار الأجنبي المباشر) ارتأينا إلى ضرورة إلقاء الضوء على الجوانب التي تدخل في تفسير الاستثمار الأجنبي المباشر.

1_ مفهوم  الاستثمار الأجنبي المباشر:

إن البحث في موضوع  الاستثمار الأجنبي المباشر يقودنا إلى  التفرقة بين نوعين من الاستثمارات الأجنبية : الاستثمار الأجنبي المباشر و الاستثمار الأجنبي غير المباشر. ومن أجل إبراز الفرق الجوهري بينهما سوف نقوم بتقديم بعض التعاريف.

الاستثمار الأجنبي غير المباشر:

 لم نجد أن هناك اختلافا كبيرا حول هذا النوع من الاستثمارات الأجنبية ويقصد به الاستثمار في المحفظة (الاستثمار المحفظي) أو الاستثمار في الأوراق المالية . و ذلك عن طريق شراء السندات الخاصة بأسهم الحصص أو سندات الدين أو سندات الدولة من الأسواق المالية. لكن هذه الملكية لا تعطي الأفراد أو الهيئات أو الشركات حق ممارسة أي نوع من أنواع الرقابة أو المشاركة في تنظيم و إدارة المشروع الاستثماري. كما أن هذا النوع من الاستثمارات الأجنبية يعتبر قصير الأجل إذا قورن مع الاستثمار الأجنبي المباشر.

الاستثمار الأجنبي المباشر:

تعددت التعاريف و النظريات المفسرة لهذا النوع من الاستثمارات الأجنبية . و أهم ما جاء في هذا المجال تعريف صندوق النقد الدولي. الذي يعتبر أن الاستثمار الأجنبي المباشر نوع من الاستثمارات الدولية. ” و هو يعكس هدف حصول كيان(عون اقتصادي) في اقتصاد ما على مصلحة دائمة بمؤسسة مقيمة في اقتصاد وطني آخر. و تنطوي هذه المصلحة على وجود علاقة طويلة الأجل بين المستثمر الأجنبي المباشر والمؤسسة. إضافة إلى تمتع المستثمر المباشر بدرجة كبيرة من النفوذ في إدارة المؤسسة”.

أما بالنسبة لمنظمة التعاون و التنمية الاقتصادية (O.C.D.E)

فإنها تتبنى تعريفين للاستثمار الأجنبي المباشر. التعريف الأول  يعتبر أنه تحرير حركات رؤوس الأموال الدولية. حيث أن الاستثمار الأجنبي المباشر هو ذلك الاستثمار القائم على نظرة تحقيق علاقات تعطي إمكانية تطبيق فعلي على تسيير المؤسسة بواسطة :

  • إنشاء أو توسيع مؤسسة. ملحقة. فرع… الخ.
  • المساهمة في مؤسسة جديدة أو قائمة من قبل.

و نشير إلى أن طبيعة القرض في هذه الحالة يكون طويل المدى(5 سنوات أو أكثر).

أما التعريف الثاني الذي تتبناه منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية فإنه يقوم على أهداف إحصائية. لأن عملية قياس حركة الاستثمارات المباشرة لا يمكن أن تكون بدون توحيد التعاريف المستعملة من طرف الدول الأصلية والدول المضيفة لذلك فإن المنظمة قامت بعدة إجراءات للوصول إلى وضع تعريف واحد. مرجعي للدول الأعضاء. و يتمثل التعريف الثاني في أن كل شخص طبيعي. كل مؤسسة عمومية أو خاصة، حكومة، مجموعة من الأشخاص الطبيعيين الذين لهم علاقة تربطهم ببعضهم البعض. كل مجموعة من المؤسسات لديها الشخصية المعنوية و المرتبطة فيما بينها. تعتبر مستثمرا أجنبيا إذا كان لديها مؤسسة للاستثمار المباشر. و يعني كذلك فرع أو شركة تابعة تقوم بعمليات استثمارية في بلد غير بلد إقامة المستثمر الأجنبي.

بعد عرضنا لبعض تعاريف الاستثمار الأجنبي المباشر. يمكننا الوقوف على أنه كل من تعريف صندوق النقد الدولي و منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية يتفقان على أن الاستثمار الأجنبي المباشر هو استثمار طويل الأجل خارج حدود البلد الأصلي يعطي صاحبه حق المشاركة في إدارة المشروع.

2_ خصائص الاستثمار الأجنبي المباشر:

تتميز الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعدة خصائص تميزها عن  باقي الاستثمارات الأجنبية أهمها:

أ_انخفاض درجة التقلب :

إن تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر يتميز بالإستقرار إذا ما قورن مع قروض المصارف التجارية و تدفقات الحافظة الأجنبية. و هذا راجع إلى طبيعة  الاستثمار الأجنبي المباشر في حد ذاته. إذ قد يتطلب توقيف أو انسحاب مشروع استثماري تكاليف ضخمة تقف حاجزا أمام صاحب المشروع. إضافة إلى مختلف العقود المتفق عليها قبل بداية النشاط.و التي تعتبر هي الأخرى بمثابة قيد يجبر المستثمر الأجنبي على البقاء.

وفي المقابل . تعتبر بقية الاستثمارات الأجنبية استثمارات قصيرة الأجل تتأثر كثيرا بالأزمات.

إن حدوث الأزمات التي أدت إلى انهيار شرق آسيا أدى إلى زيادة جاذبية الاستثمار  الأجنبي المباشر. فحتى وقت قريب . كانت الحكومات تفضل التمويل بالاستدانة على التمويل بأسهم رأس المال أو الاستثمار الأجنبي المباشر.و ذلك لأنها كانت  لا ترغب في سيطرة المصالح الأجنبية على شرائح كبيرة من اقتصادها. و لأن الملاك المحليين للشركات الكبرى كانوا يخشون فقدان السيطرة عليها. و قد بدأ هذا الموقف في التحول بعد إدراك البلدان أن الاستثمار الأجنبي المباشر لا يجلب رؤوس الأموال فحسب. بل يجلب أيضا التكنولوجيا و سبل الوصول إلى الأسواق و المهارات التنظيمية.

ب_توجهات الاستثمار الأجنبي المباشر:

إن الخاصية الثانية التي تميز الاستثمار الأجنبي المباشر هي كيفية توزيع هذا الأخير عبر مختلف أنحاء العالم . و في هذا الصدد تبين الدراسات التي أجريت على العديد من السنوات أن الدول المتقدمة تستقبل النسب الكبيرة من مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر. و النسبة الباقية التي تستفيد منها مجموعة الدول  النامية. يسيطر على حصة الأسد فيها عدد قليل من دول آسيا و أمريكا اللاتينية.

نأخذ كمثال سنة 2000 . حيث كانت حصة الدول المتقدمة من الاستثمار الأجنبي المباشر تقدر بـ: 80% . أما النسبة المتبقية فهي موزعة على بقية الدول النامية. و يرجع ذلك إلى طبيعة المناخ الاستثماري و السياسات المتبعة من طرف الدول لجلب هذا النوع من الاستثمارات الأجنبية.

النقطة الثانية التي يجب الإشارة إليها هي امتلاك عدد قليل من الدول لحصة الأسد من مجموع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول النامية.

قد اجتذبت مجموعة صغيرة من البلدان النامية لمعظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة ( المتدفقة نحو الدول النامية). ولقد كانت كل من إندونيسيا. تايلندا. ماليزيا والمكسيك من بين أعلى 12 دولة المتلقية للاستثمارات الأجنبية في العقود الثلاثة الماضية. و انضمت الصين ( بما فيها هونغ كونغ) إلى هذه الدول سنة 1990 وبحلول عام 1998 كانت قد تلقت 265.8 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر. مما جعلها المقصد المرغوب فيه بدرجة أكبر من البلدان النامية الأخرى.

وفي المقابل نجد أن دول إفريقيا والشرق الأوسط قد تلقت أقل من 10 % من  تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. ففي عام 1998 كان رصيد هذا الاستثمار في إفريقيا أقل من 2%  من الإجمالي العالمي. ولهذا السبب سيستمر الكثير من بلدان إفريقيا في الاعتماد على المعونة الثنائية و المتعددة الأطراف في تمويل المشروعات الاستثمارية.

ويرجع سبب هذا التباين في توزيع الاستثمار الأجنبي المباشر بين مختلف الدول النامية إلى طبيعة السياسة المنتهجة من طرف كل دولة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر . المناخ الاستثماري والتحفيزات الممنوحة للمستثمرين الأجانب.

ج_ معدل نمو الاستثمار الأجنبي المباشر :

لقد عرف الاستثمار الأجنبي المباشر نموا كبيرا في العقدين الماضيين(1980 –2000) مما جعله يكون محل اهتمام الكثير من أصحاب القرار في المجال الاقتصادي.

منذ بداية الثمينات عرف الاستثمار الأجنبي المباشر قفزة كبيرة في معدل النمو مقارنة مع سنوات الخمسينات و الستينات حيث انتقل مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر من 4.9% سنة 1980 إلي 8.6% سنة 1990. ليصل إلى 19% سنة 2000.

إن تجميع الاستثمارات الأجنبية المباشرة مكن من إعطاء الفروع الأجنبية للمؤسسات متعددة الجنسيات وزنا كبيرا في تحديد النشاط الاقتصادي الدولي . ففي عام2001 كانت مبيعاتها في الخارج تقدر بـ 18500 مليار دولار. مجزأة إلى 15900 مليار دولار تمثل مبيعاتها في البلد الذي تنشط فيه. 2600 مليار دولار بالنسبة لصادراتها.

إن مقارنة هذين الرقمين مع قيمة الصادرات العالمية لسنة 2001 و المقدرة بـ 7400 مليار دولار يفسر بوضوح أن :

1- إجمالي مبيعات الفروع الأجنبية في البلد الذي تنشط فيه. والذي تجاوز قيمة الصادرات العالمية ابتداءا من سنة 1990. أصبح سنة 2001  يفوق الضعف. الأمر الذي يجعل التجارة الدولية في الوقت الحالي تكون أقل أهمية فيما يتعلق بتوزيع السلع والخدمات الناتجة عن حمولة المؤسسات.

2-إن التجارة الدولية نفسها تكون مبنية على نشاط الشركات متعددة الجنسيات . حيث كانت صادرات الفروع الأجنبية سنة 2001 تقدر بـ 35% من إجمالي  الصادرات العالمية.

ثانيا_ الاستثمار الأجنبي المباشر و الأقطار النامية:

إن الوضع الاقتصادي المتدني الذي تعيشه معظم الدول النامية و ندرة الموارد خاصة المالية منها. جعلها تبحث عن وسائل  تمويل للخروج أو التخفيف من حدة هذا  العجز. و هذا عن طريق استقطاب مستثمرين أجانب تتوفر لديهم تلك الموارد التي هي بحاجة إليها. و في هذا السياق نجد أن المستثمرين الأجانب يفضلون احتكار السوق. لتجنب المنافسة. كما أن الكثير من الأقطار النامية تقبل بذلك لأنه لا يتطلب نفقات مالية. و من ناحية أخرى نجد أن قوة التفاوض و جلب أحسن الاستثمارات الأجنبية المباشرة قد يكون له دورا كبيرا في تنمية بعض القطاعات.

1_ مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر للدول المضيفة:

لقد عرفت فترة الثمانينات تخفيف العداء اتجاه الاستثمار الأجنبي المباشر في معظم الدول. نتيجة للتجربة الناجحة في العديد من دول جنوب شرق آسيا و أمريكا اللاتينية. و التي شهدت نموا اقتصاديا سريعا مع احتفاظها بإقتصاداتها مفتوحة بقدر كبير أمام الاستثمارات الأجنبية.

وثمة أسباب عديدة أدت إلى الإعتقاد بأنه للإستثمار الأجنبي المباشر آثارا إيجابية على الدول المضيفة تتمثل في مايلـي :

  • يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر وسيلة لنشر التقنيات الجديدة وكذا الأصول غير المادية كالمهارات التنظيمية التي تتميز بها الشركات الأجنبية.
  • إن الاستثمار الأجنبي المباشر يذكي روح المنافسة بين الشركات المحلية:

 و ما يصاحب هذا التنافس من منافع عديدة. إذ أنه يصبح من الواجب على كل مؤسسة محلية هدفها الأساسي هو البقاء أن توسع و تطور منشآتها.

  • ج- إن الاستثمار الأجنبي المباشر يعمل على تطوير الصادرات و تخفيض حجم الواردات من السلع و الخدمات. و بالتالي تحسين الميزان التجاري.
د- يمكن للاستثمار الأجنبي المباشر أن يكون عاملا قي التخفيف من حدة البطالة:

و هذا بما توفره الشركات متعددة الجنسيات من فرص التوظيف المباشرة و غير المباشرة. حيث أن هذه الشركات تحتاج عمالة لآداء أعمالها الخاصة. كما تخلق فرصا وظيفية بشكل غير مباشر من خلال تنشيط أعمال الموردين المحليين. و قد ينشأ عن ذلك أثر مضاعف. حيث أن خلق وظيفة واحدة مباشرة يؤدي إلى خلق عدد من الوظائف غير المباشرة المطلوبة لتأمين متطلبات الوظائف المباشرة.

هـ- يعمل الاستثمار الأجنبي المباشر على رفع الحصيلة الضريبية للحكومة. نتيجة لإرتفاع المداخيل  والأرباح التي تخضع للضريبة.

و- يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر عاملا مهما في تنمية وتحديث الهيكل الصناعي للدول المضيفة. و يكون ذلك من خلال ما ينتج عن الشركات متعددة الجنسيات من تحفيز للقطاع الصناعي المحلي. سواء لعب هذا القطاع دور المورد لهذه الشركات أو كمنافس لها أو بجعله منتجا لأسواق أخرى.

ز- إن الاستثمار الأجنبي المباشر يعتبر كوسيلة لتمويل الاستثمارات. خاصة بالنسبة للدول النامية التي أصبحت تشكو من حدة المديونية المتفاقمة. إذ أن عملية التمويل عن طريق الإقتراض من المؤسسات المالية الدولية يتطلب دفع الأعباء الثابتة. غير أنه على العكس بالنسبة للإستثمار الأجنبي المباشر. فهذا الأخير لا يعتبر مكلفا للدول المستقبلة له.

2_ عيوب الاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للدول المضيفة:

في الواقع أنه و بالرغم من تعدد مزايا الاستثمار الأجنبي المباشر. نجد أن هذا الأخير له آثارا سلبية على بعض الجوانب التي تخص الدول المستقبلة له. و أهم عيوب الاستثمار الأجنبي المباشر ما يلي :

  • إن منح الإعفاءات الضريبية للشركات الأجنبية قد ينجم عنه تقليص في الموارد المتاحة للمؤسسات المحلية. مما يتطلب موازنة العوائد قصيرة الأجل بالعوائد طويلة الأجل. فالعوائد قصيرة الأجل قد تأتي نتيجة لقيام الشركات الأجنبية بخلق وظائف معينة في الوقت الحالي. لكن ذلك قد يكون على حساب الاستثمار الرأسمالي المتاح للمؤسسات المحلية والتي ستبقى في البلد المضيف حتى ولو غادرتها الشركات الأجنبية . إلا أن مسألة بقاء المؤسسة المحلية في العمل بعد مغادرة الشركة الأجنبية محل جدل. كما أن قدرة الشركات الأجنبية على دفع أجور أعلى. يجعل من الصعب على المؤسسات المحلية المنافسة لإستقطاب أفضل الكفاءات. بالإضافة إلى ذلك فإن حرية الشركات متعددة الجنسيات في اتخاذ القرار حول مواقع استثماراتها عامل ضغط على الحكومات. والذي قد يجبرها على دخول منافسات فيما بينها لجذب هذه الشركات. وبالتالي منح المزيد من الاعفاءات. مما ينجر عنه تحمل تكاليف أعلى للدول المضيفة.
  • يمكن للإستثمار الأجنبي المباشر أن يكون عاملا في تحويل الموارد المالية المحلية إلى الخارج. و كذا خروج الأموال في شكل أرباح و عوائد على المدى الطويل. و هذا عندما يصل الاستثمار إلى مرحلة النضج.
  • قد تلجأ الشركات متعددة الجنسيات إلى استعمال التهديد بالغلق أو نقل المؤسسات أثناء المفاوضات المتعلقة بشروط العمل.
  • تقوم الشركات متعددة الجنسيات بتضخيم الأقساط المتعلقة بالخدمات المقدمة من طرف الشركة الأم (أبحاث. تسيير. تسويق).
  • التدخل في الشؤون الداخلية و كذا المساس بالسيادة الوطنية من خلال السيطرة على القطاعات الاستراتجية. بالإضافة إلى ما ينجر عن ذلك من آثار سياسية سلبية . سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

3_ أثر الاستثمار الأجنبي المباشر على التجارة و ميزان المدفوعات:

عند دراستنا للآثار المترتبة عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة على كل من  المركز التجاري و ميزان المدفوعات للدول المضيفة. لابد أن نشير إلى نقطة مهمة و هي أن القضية الرئيسية التي تمثل محور اهتمام الدول النامية المضيفة في هذا الخصوص لا ترتبط بالآثار المترتبة على ميزان المدفوعات نتيجة لفتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة بقدر ما ترتبط بالآثار المتوقعة على التجارة و العوائد أو الدخل الحقيقي للدول النامية.

وعند الحكم على آثار الاستثمارات الأجنبية المباشرة على التجارة وميزان المدفوعات فإن هذا يستلزم إجراء تحليل و دراسة شاملة لكل المتغيرات التي تؤثر عليها.

إن دراسة أثر الاستثمار الأجنبي المباشر على التجارة و ميزان المدفوعات يستلزم دراسة ما يلي :

-التدفقات الداخلة:

 و تتضمن العناصر التالية :

  • مقدار  التدفق الداخل من النقد الأجنبي أو مقدار مساهمة المستثمر في المشروع. و كلما زادت النسبة التي يساهم بها المستثمر الأجنبي كلما زاد حجم المشروع و زاد حجم التدفق من النقد الأجنبي.
  • مقدار الوفر في النقد الأجنبي الناجم عن الوفر في الواردات من السلع والخدمات المختلفة.
  • مقدار النقد الأجنبي المتدفق إلى الداخل و الذي يكون  نتيجة لـ :
  • عملية التصدير.
  • المساعدات المالية المقدمة من طرف الشركات الأم إلى مختلف فروعها في الدول المضيفة.
  • منح تأشيرات الدخول و الإقامة للعاملين الأجانب.
  •  القروض التي تحصل عليها الشركات الأجنبية من الخارج.

_التدفقات الخارجة:

و تتمثل فيما يلي  :

أ- مقدار النقد الأجنبي المتدفق إلى الخارج من أجل استيراد مواد خام.سواء أولية
أو مستلزمات الإنتاج.

ب-  مقدار الأجور والمرتبات الخاصة بالعاملين الأجانب و التي يتم تحويلها إلى الخارج.

ج –  الأرباح المحولة إلى الخارج بعد بدء مرحلة الإنتاج والتسويق.

د –  الفروق المتعلقة بأسعار تحويل المواد الخام والمواد الأولية من خلال المعاملات بين الشركة الأم وفروعها بالدول المضيفة.

_ دراسة العوامل والمؤثرات التي قد تؤثر على ميزان المدفوعات والتجارة:

تتمثل هذه العوامل فيما يلي :     

  • الدور الذي تلعبه الشركات متعددة الجنسيات في دعم مراكز البحوث والتنمية البشرية والفنية.  
    • نمط أو شكل الاستثمار الأجنبي المسموح به والذي يحدد مقدار التدفق من النقد الأجنبي كرأس مال مبدئي للمشروع. بالإضافة إلى نوع المشروع الاستثماري في حد ذاته . فقد يكون ذو كثافة في رأس المال أو في العمالة.

ج – مقدار الأرباح التي أعيد أو يعاد استثمارها سنويا ( تكلفة الفرصة البديلة).

  • درجة التوجه بالمشروعات الاستثمارية. فقد تكون موجهة لغرض التصدير أو لتخفيض الواردات.

ه – الضرائب و الرسوم المفروضة على الصادرات والواردات.

و-  فروق  العملة. معدلات التضخم و أسعار الفائدة.

وعند الوقوف على تأثيرات الاستثمار الأجنبي المباشر على الميزان الجاري و ميزان رؤوس الأموال. يمكن للميزان الجاري أن يتأثر نتيجة لعدة اعتبارات. فالمؤسسة متعددة الجنسيات لها احتياجات من الواردات. تعتبر هذه الأخيرة مهمة في عمليتها الإنتاجية. و نجد أن هذه الواردات يمكن أن تغطى عن طريق الصادرات المحققة من طرف الشركة. لكن النتيجة الصافية ترتبط بشكل الإنتاج المتعلق بالصادرات. فمثلا إذا تعلق الأمر بمصنع بسيط لتركيب القطع المنتجة في الخارج. فإن التأثير الصافي الإيجابي سوف يصبح صغيرا جدا. أما إذا تعلق الأمر بإنشاء مؤسسة من أجل تنشيط انتاجات محلية تحل مكان الواردات. في هذه الحالة سوف يكون التأثير الصافي ايجابيا.

إن نشاطات المؤسسات متعددة الجنسيات تؤدي بها طبيعيا إلى إعادة رؤوس أموال إلى المؤسسة الأم في شكل: أرباح. أسهم. فوائد. عمولات… الخ .

هذه التحويلات لرؤوس الأموال تكون بمقدار أقل ارتفاعا. لكن المؤسسة تعمل على تطويره مع مرور الوقت.

وبذلك فإن ميزان المدفوعات للدول المضيفة يحقق أرباحا من خلال دخول رؤوس الأموال. وهي تلك الأرباح التي تنتج مباشرة في الوقت الذي يدخل فيه الفرع الأجنبي. لكن بعد مدة زمنية معينة.

4_أثر الاستثمار الأجنبي المباشر على العمالة:

يعتبر القضاء على البطالة أو الحد منها أحد الأهداف التي تسعى الدول النامية إلى تحقيقها من وراء فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة. و من هنا يمكن أن نتساءل إن كانت المؤسسات متعددة الجنسيات تقوم فعلا بتنمية كل من مستوى العمالة و مستوى الأجور.

بالنسبة لمستوى العمالة نجد أنه في الحالة أين يكون إنشاء مؤسسة أجنبية على حساب مؤسسة محلية. في هذه الحالة يمكننا أن نقول بأن مستوى العمالة لا يتغير. لكن إذا تعلق الأمر بخلق مؤسسة جديدة فإن مستوى العمالة سوف يرتفع. لكن في المقابل يمكن لهذا المستوى أن ينخفض إذا قامت المؤسسة متعددة الجنسيات بإدخال وسائل إنتاج تنمي إنتاجية العمل.

و يكون من الجدير أن نشير إلى أن التأثير الإيجابي للاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العمالة يرتبط كذلك بطبيعة نشاط المؤسسة الأجنبية. فقد يكون نشاطها من أجل إنتاج سلع توجه للتصدير و في هذه الحالة يكون مستوى العمالة التي تستفيد من فرص العمل كبيرا أما إذا كان نشاطها موجها من أجل تلبية الاحتياجات الداخلية. في هذه الحالة يكون مستوى العمالة أقل مقارنة بالحالة الأولى.

التساؤل الثاني الذي يجب الإجابة عنه يخص دور الاستثمار الأجنبي المباشر في تنمية مستوى الأجور. و في هذا الإطار يمكننا حوصلة تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على الأجور بالدول المضيفة في النقاط التالية:

  • بما أن الأجور في الدول الأصلية للاستثمار الأجنبي المباشر تكون أكبر من الأجور في الدول المضيفة. فإن الشركات متعددة الجنسيات تكون مستعدة لدفع أجور أكبر من تلك التي تمنحها المؤسسات الوطنية للدول المضيفة.
  • من أجل جذب اليد العاملة المؤهلة. تعمل الشركات متعددة الجنسيات على عرض أجور أكثر ارتفاعا. وهذا يكون خاصة في المنتوجات التي تتطلب التأهيل والخبرة. وكذلك في القطاعات التي تعرف التنافسية.
  • إن الإنتاجية والمردودية بالشركات متعددة الجنسيات تكون أكثر مقارنة مع المؤسسات الوطنية للدولة المضيفة. وبالتالي فإن الأولى يكون بمقدورها دفع أجور أعلى من الأجور التي تدفعها الثانية.
هناك مجموعة من الاعتبارات ينبغي الإشارة إليها:

والتي تتعلق بتأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على العمالة في الدول المضيفة.

  • إن وجود الشركات متعددة الجنسيات سوف يؤدي إلى خلق علاقات تكامل رأسية. أمامية وخلفية بين أوجه النشاط الاقتصادي المختلفة في الدولة. وهذا من خلال تشجيع المواطنين على إنشاء مشروعات لتقديم الخدمات المساعدة اللازمة. أو المواد الخام للشركات الجديدة وتنشيط صناعة المقاولات وغيرها. ومن ثم خلق فرص جديدة للعمل.
  • إن الشركات متعددة الجنسيات تكون مطالبة بدفع ضرائب على الأرباح المحققة. وهذا سوف يؤدي إلى زيادة عوائد الدولة. هذه الأخيرة يكون بإمكانها التوسع في إنشاء مشروعات استثمارية جديدة تخلق فرصا جديدة للعمل.
  • إن إنشاء المشروعات الموجهة للتصدير والمشروعات كثيفة العمالة في المناطق الحرة يعمل على خلق العديد من فرص العمل الجديدة.
  • إن توسع الشركات متعددة الجنسيات في أنشطتها. وبإفتراض بقاء العوامل الأخرى ثابتة سوف يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة في المناطق والمحافظات النائية. المتخلفة اقتصاديا داخل الدولة المضيفة.

5_ تأثير الاستثمار الأجنبي المباشر على المنافسة:

  بصفة عامة. يمكن أن يكون هناك ترابط واضح بين التركيز( عدد محدود من الـمؤسسات التي تعمل في قطاع ما) وتواجد الشركات متعددة الجنسيات. لكن هذا الإرتباط لا يعني بالضرورة وجود علاقة سببية. و قبل تحديد الموقف يجب الأخذ بعين الاعتبار عناصر التحليل التالية :

  • بمجرد قدوم مؤسسة إلى بلد مـا. من أجل إنتاج سلع يتم إستيرادها مـن الخارج أو إنتاج سلع جديدة ( لا توجد في السوق المحلية). هذه العملية تؤدي إلى رفع الطاقة الإنتاجية في القطاع خاصة صناعة السيارات. وسائل النقل. المنتجات البتروكيمياوية. المعدات الفلاحية.
  • إن مسألة التركيز تطرح عند قدوم الشركات متعددة الجنسيات للاستثمار في قطاع معين. و في الوهلة الأولى يمكننا القول بأنه إذا قامت المؤسسات متعددة الجنسيات بخلق مصنع جديد بكل أجزائه. في هذه الحالة تعمل على رفع القدرات الإنتاجية. و إذا قامت بشراء مؤسسة محلية قائمة فإنها تترك القدرات الإنتاجية بدون تغيير.

لكن هذه النتيجة لا تكون إلا في الأجل القصير. فالمؤسسات متعددة الجنسيات تتميز عن المؤسسات المحلية بامتلاكها لميزات خاصة تعطى من خلال:

  • الحيازة على التكنولوجيا المتقدمة.
  • التقنيات الأكثر نجاعة في التسيير و التسويق.
  • الحيازة على العلامات المعروفة.
من جهة أخرى:

نجد أن المؤسسة متعددة الجنسيات تمتلك إمكانيات مالية كبيرة تسمح لها بتقديم إنتاج ذو جودة عالية. وبالتالي الاستفادة من إقتصاديات الحجم. ومن هنا فإن تأثيرات الاستثمار الأجنبي المباشر على التركيز في الأجل المتوسط و الطويل يختلف عنه في الأجل القصير.

كما نجد أنه بفضل الميزات التي تمتلكها الشركات متعددة الجنسيات. فإن عوائد هذه الأخيرة تكون مرتفعة. و من هنا فإن حدة المنافسة هي الأخرى ستعرف إرتفاعا.

في نفس الإطار و نتيجة لكون أن المؤسسة متعددة الجنسيات تنتج بتكاليف أقل فإنها تمتلك السيطرة على المؤسسات الأخرى في القطاع. الأمر الذي يؤدي إلى إختفاء المؤسسات التي لا تحقق مردودية. لتظهر مكانها مؤسسات أخرى تكون أكثر فعالية. و تعمل على إنعاش المنافسة من جديد. يبقى لنا أن نأخذ في  الاعتبار عنصرين هامين عند تقييم مسألة الارتباط بين تواجد الشركات متعددة الجنسيات و التركيز القطاعي.

العنصر الأول:

 يتمثل في الوجود الفعلي للإرتباط بين تواجد الشركات متعددة الجنسيات في قطاعات معينة ووجود حواجز الدخول إلى هذه القطاعات. فمن الواضح أن المؤسسات متعددة الجنسيات تمتلك وسائل مالية كبيرة تسمح لها بتجاوز الحواجز مقارنة مع المؤسسات الأخرى .

هذه الحواجز قد تؤدي إلى حتمية الاستثمار في مجال البحث و التطوير من أجل تكييف المنتوج حسب متطلبات سوق الدول المضيفة. بالإضافة إلى تحمل نفقات اشهارية من أجل التعريف بالمنتوجات الجديدة.

من هنا نجد التفسير لأصل أو مصدر الإستثمار الأجنبي المباشر في الدول النامية. و بما أن حواجز الدخول تكون مرتفعة فإن عدد المؤسسات متعددة الجنسيات يكون محدودا. و بالتالي نستنتج الإرتباط بين التركيز و تواجد الشركات متعددة الجنسيات.

العنصر الثاني:

 و الأخير المعتمد في التحليل ينفي الإرتباط المذكور سابقا. حيث أنه في السنوات الأخيرة تم وضع فرضية أساسها أن الشركات متعددة الجنسيات تنشط في الأسواق التي تتميز بإحتكار القلة. بصفة خاصة عندما تكون الأولوية للمستثمر في بلد ما. نجد أن بقية أطراف سوق إحتكار القلة يقومون بالبحث عن الكيفية التي تمكنهم من حماية حصصهم في السوق. مما يؤدي إلى تحسين و تطوير نوعية المنتوج. إضافة إلى رفع الطاقة الإنتاجية و تخفيض التركيز في البلد المضيف.

خاتمة:

إن الإستثمار الأجنبي المباشر يعتبر ظاهرة إقتصادية. تسمح بنقل رؤوس الأموال من دولة إلى أخرى على المدى الطويل. و تعطي صاحبها حق التملك والإدارة للمشروع الإستثماري. مما جعله يكون مقصد العديد من الدول النامية و المتقدمة على حد السواء.

و بما أن الكثير من الدول النامية عانت ولازالت تعاني مشكل المديونية و العجز في تمويل إستثماراتها. فإنها قد إتخذته كوسيلة بديلة محاولة إنعاش إقتصادها على المستويين المحلي والدولي. و من أجل تحقيق ذلك كان لابد من إعادة النظر في مناخها الإستثماري. هذا الأخير يكون له دور كبير في جذب الأنماط المناسبة من الإستثمارات الأجنبية.

كما أن العمل على تعظيم المنافع. و تقليص الأخطار التي قد تنجم عن الإستثمار الأجنبي المباشر. يعتبر من الأمور الأساسية التي يجب مراعاتها قبل إتخاذ أي قرار. بحيث أنه مثلما يؤثر الإستثمار الأجنبي المباشر إيجابيا على البلد المضيف يمكن أن يؤثر سلبا إن لم يحسن التعامل معه.

وأهم  المجالات التي يساهم الإستثمار الأجنبي المباشر في تنميتها : التجارة. العمالة والمنافسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: لا يمكنكم نقل محتوى الصفحة . من اجل الحصول على نسخة اذهب الى اسفل المقال