ظاهرة التضخم الاقتصادي وآليات التحكم فيها
ان ظاهرة التضخم تعتبر من أهم المشاكل الإقتصادية التي تسعى جميع دول العالم إلى الحد من آثارها التي تنعكس سلبا على اقتصاداتها و مجتمعاتها. تحدث إختلالا على مستوى المؤشرات الإقتصادية الكلية. لذا تجعلها الحكومات و السلطات النقدية من ضمن أهم الأهداف التي تسطر عليها سياساتها الإقتصادية الكلية. بهدف الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن. من خلال ضمان إستقرار المستوى العام للأسعار. لذلك يعتبر التضخم من أهم المؤشرات الإقتصادية و النقدية التي تعكس قوة الأداء الإقتصادي للبلد.
على هذا الأساس فقد سعت جل إن لم نقل جميع النظريات و المدارس الإقتصادية بما في ذلك النظم الإقتصادية. إلى تفسير هذه الظاهرة من الناحية النظرية. و محاولة تمثيلها على شكل نماذج قياسية. لفهم آليات و ميكانيزمات التي تسبب هذه الظاهرة و أهم العوامل المؤثرة فيها.
أولا_ ماهية التضخم:
ان مصطلح التضخم ليس له معنى واحد عند علماء الاقتصاد والمالية. حيث تعددت المفاهيم والشروحات واختلفت نظرا لاختلاف الزمن الذي حل فيه. فبداية، هو اصدار النقود بصفة مطلقة بغض النظر إلى وجود عوامل اخرى كالتغطية لهذه النقود الصادرة. أما فيما بعد فتغير هذا المفهوم حيث أصبح المقصود منه هو فائض النقد على فائض السلع والخدمات. وهذا راجع أن الواضعين لهذا المعنى قد تأثروا بالمفاهيم والنظريات التي كانت آن ذاك.
1_تعريف ظاهرة التضخم:
تعتبر ظاهرة التضخم من الظواهر المتشعبة الجوانب والمتعددة الاتجاه. حيث تطرقت لها الكثير من المدارس. فمفهوم التضخم مهمة صعبة لأن فيه الكثير من الغموض والمتناقضات.
إلا أن المفهوم المنتشر بين جل العلماء هو: الارتفاع غير الطبيعي للأسعار ولهذا عندما يستعمل مصطلح التضخم دون الاشارة إلى ظاهرة أو حالة معينة فإن المقصود به هو ارتفاع الأسعار.
ويعرف جونسون التضخم بأنه الارتفاع المؤكد في الأسعار. وقد اعتبر هذا المفهوم أبسط المفاهيم بسبب المشاكل التي تظهر عند وضعه على مستوى التطبيق. ويرى أن الارتفاع في الأسعار ليس بالضرورة أن يكون تضخما فقد يكون ناتجا عن المثيرات التنافسية للاقتصاد. مثل عجز في المحاصيل الزراعية وارتفاع الأسعار نتيجة لذلك. أو حركية في الاقتصاد ونحو التوسيع في الاستخدام مما يؤدي إلى حدوث ارتفاع في الأسعار. نظرا للطلب المتزايد على السلع. والاستخدام في عنصر العمل. وبهذا لا يعتبر ما سبق تضخما.
يقول بال “ball “ان مسألة تعريف التضخم قد تتعقد بسبب عدم الوضوح في جوهر المصطلح نفسه. إذ قد تساعد في بعض الاحيان في تأثير مستويات الدخل النقدي اضافة إلى مستويات الأسعار.
وتختلف مفاهيم التضخم لصعوبة تحديد الوضع الإقتصادي السائد. ففي الوضع الانكماشي ينخفض الدخل النقدي ويرتفع حجم البطالة. ومع ذلك فإن الأسعار تبقى ثابتة.
ان هذه الحالة الانكماشية ليست حالة عكسية للتضخم لأن الحالة التضخمية هي التي يرتفع فيها الدخل النقدي.
يعرف بيغو “pigou “التضخم انه يكون موجودا عندما يكون الدخل النقدي في حالة توسع. حيث يتجاوز نسبة الدخل الحقيقي الناتج عن النشاط الإقتصادي. أو أنه ذلك الجزء من التزايد في الأسعار الناتج عن تدخل الحكومة في النقود.
_تعريف التضخم حسب النظرية الكمية النقدية:
ان المدرسة النقدية ترجع في تفسيرها للتضخم مذهبا نقديا. حيث يرى الإقتصاديون الكلاسيكيون بأنه ظاهرة نقدية تعود في أسباب نشأتها إلى عوامل نقدية ومالية بحتة . فالتضخم حسبهم يعني كل زيادة في كمية النقد المتداول. ستؤدي حتما إلى زيادة في المستوى العام للأسعار.
_تعريف التضخم على أساس نظرية التدخل والانفاق:
ترى هذه النظرية في تعريفها للتضخم بأنه الزيادة في معدل الانفاق والدخل. فزيادة الانفاق النقدي وبالتالي ازدياد الدخل النقدي يسبب زيادة في ارتفاع الأسعار وتضخمها. على فرض بقاء كمية السلع المتواجدة في حالة ثبات.
_تعريف التضخم على اساس نظرية العرض والطلب:
فالتضخم يكون نتيجة الخلل التوازني ما بين العرض والطلب. فهناك من الإقتصاديين من وضع تعريفه وتحليله لظاهرة التضخم على القوى التي تحكم هذه العلاقة. فعرف التضخم بأنه زيادة في الطلب على العرض تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
2_النظريات المفسرة لظاهرة التضخم:
_النظرية النقدية الكلاسيكية:
يرجع ظهور هذه النظرية إلى عهد الرومان. وكذلك الفكر العربي. حيث يبين الإقتصادي العربي “تقي الدين احمد” ان زيادة في الأسعار في مصر في ذلك الوقت كان سببه زيادة النقد المتداول. اي وجود علاقة طردية بين ارتفاع الأسعار وزيادة النقد.
وتطورت هذه الفكرة على يد الإقتصادي “bodin johi ” . الذي يفسر الارتفاع الحاد في الأسعار إلى تدفق المعادن النفيسة في فرنسا من امريكا مرورا بإسبانيا. وفي القرن التاسع عشر شهدت انجلترا ارتفاعا في الأسعار نتيجة توقفها عن العمل بنظام الذهب. ان هذه الافكار السابقة ما هي إلا بداية للنظرية الكمية في مفهومها الجديد. حيث يعتبر الكلاسيكيون أول من تطرق إلى ظاهرة التضخم من خلال نظرية كمية النقود. التي حاولت تفسير تغيرات المستوى العام للأسعار وعلاقتها بكمية النقود. فيرى أصحاب هذه النظرية ان التغيرات في الأسعار تكون في نفس الاتجاه الذي تتغير فيه كمية النقود وبالنسبة نفسها.
_ النظرية الكينزية:
مع ظهور الأزمة المالية سنة 1929 وما نتج عنها من كساد للسلع. وزيادة نسبة البطالة وتوقف الإنتاج. حيث باتت النظرية الكلاسيكية غير صالحة في هذا الظرف .قدم كينز افكار جديدة. حيث يؤكد كينز ان التغير في المستوى العام للأسعار راجع بصفة رئيسية إلى تغيرات سعر الفائدة والتفاوت بين الاستثمار والادخار. حيث ان عندما يتسأوى الادخار والاستثمار عند سعر الفائدة التوازني. الذي يكون مسأويا للسعر النقدي. وتستقر الأسعار وتصبح ثابتة. ولكن يرى كينز أنه ليس بالضرورة ان يكون الادخار مساويا للاستثمار. من الممكن وجود فرق بينهما وهذا الاختلاف هو الذي بدوره يعيد التوازن بين الادخار والاستثمار. وهذا ما اسماه بالطلب الكلي الفعال. وهو الذي يشمل كل المبالغ من طرف جميع الوحدات الإقتصادية. فاعتبر الكثير ان الطلب هو المحدد الرئيسي للدخل ومستوى الإنتاج وحجم العماله. وبالتالي المستوى العام للأسعار ويتكون هذا الطلب على السلع الاستثمارية. بالإضافة إلى الطلب على السلع والخدمات الاستهلاكية.
_ النظرية النقدية المعاصرة:
قدم فريدمان تعريفا للتضخم مشابها لتفسير النظرية الكمية. ولكن اكثر عمقا وتطورا منها. حيث يشير إلى ان السبب الاساسي لظهور التضخم هو كمية النقود. حيث اعتبر التضخم ظاهرة نقدية. ومنه يمكن القول أن فريدمان أعاد أهمية السياسة النقدية من جديد ورفض وجود علاقة بين إرتفاع الأسعار وزيادة الأجور. كما ينفي وجود علاقة بين التضخم والبطالة.
اذن بالنسبة للنقديين التضخم ينشأ نتيجة الاختلال بين عرض النقود والطلب عليها. وبما أن عرض النقود مستقل وهو متغير خارجي تتحكم فيه السلطات النقدية. ذهب فريدمان إلى الاهتمام على وجه الخصوص بالطلب على النقود. باعتباره المؤثر الاساسي في المستوى العام للأسعار. ودراسة محددات الطلب على الكمية النقدية لدى الأفراد.
كل هذا لا يلغي أهمية تغير عرض النقود وتأثيره على مستوى الأسعار. حيث أكد فريدمان أنه عند الزيادة في عرض النقود يقوم الاشخاص بالتخلص من هذا الفائض عن طريق زيادة إنفاقهم. مما يجعل الأسعار ترتفع. ولهذا السبب يرجع النقديين عملية محاربة التضخم وتحقيق ثبات الأسعار إلى السلطة النقدية. حيث تفعل هذه الأخيرة على مراقبة كمية النقود وجعل معدلها يتناسب دوما مع عدد السكان وحجم الإنتاج.
3_ أنواع ظاهرة التضخم:
_حسب تحكم الدولة في جهاز الأسعار:
أ_التحكم المكبوت:
يحدث عندما تتدخل الدولة بقوة القانون. وذلك بوضعها تدابير واجراءات صارمة. والقيود التي تمنع من مواصلة ارتفاع الأسعار. مثلا سياسة التعبير الاجباري، وذلك عن طريق نظام توزيع بعض السلع بالبطاقات والتراخيص الحكومية. وذلك ان الدولة تقوم بالسماح للعوامل الإقتصادية بالعمل بحرية من خلال سيطرتها على الأسعار. رغم ارتفاع المداخيل النقدية. ولكن لا تجد المنفذ الكافي لإنفاقها وبالتالي لا يسمح له بالظهور.
ب_التضخم المكشوف:
هو عكس التضخم المكبوت، اي الزيادة في ارتفاع الأسعار دون تدخل الدولة للحد منه. بالإضافة إلى موقف الدولة تتدخل عوامل اخرى كالظروف الإقتصادية السائدة. وكذا العوامل النفسية للأشخاص من مشترين وبائعين. مما يسمح للقوى التضخمية من ممارسة ضغطها نتيجة إما لزيادة الطلب على الخدمات والسلع أو زيادة الإنتاج.
ج_التضخم الزاحف:
يتميز بازدياد بطيء في الأسعار في حدود 2 %سنويا خلالها يكون الطلب الكلي معتدلا. وبالتالي ينتج عنه ارتفاع طبيعي على المدى الطويل قد لا يتعدى 15 %خلال عشر سنوات. لهذا يسمى بالتدريجي.
د_التضخم الجامح (العنيف):
هذا النوع ينتج من التضخم الزاحف ويكون اكثر قوة وعنفا. فيوجد عندما تدخل حركة الارتفاع في الأسعار والأجور في حلقة من الزيادات الكبيرة والمتتالية. أن تفقد النقود وظائفها كوحدة قياس ومخزن للقيمة. وهذا النوع يؤدي إلى انهيار النظام النقدي كليا. وقد تواجد هذا النوع من التضخم في مراحل الأزمات الإقتصادية والحروب. على سبيل المثال ما حدث في ألمانيا حيث إنهار النظام النقدي الألماني حتى أن كثير من الشعب الألماني لجأ لنظام المقايضة واستخدام السلع بدلا من النقود. حيث كان التاجر يحدد سعر رغيف الخبز بثلاث بيضات.
ثانيا_ أسباب وآثار ظاهرة التضخم:
1_ أسباب حدوثه:
_التضخم الناشئ عن زيادة الطلب:
يوجد عدة عوامل تشجع وتحفز الطلب الكلي نحو الارتفاع. وهي التي تدفع الأفراد والمشاريع لزيادة الانفاق الكلي ومنه ارتفاع الأسعار ومن أهمها نذكر:
أ_زيادة الانفاق الاستهلاكي والاستثماري:
تعتبر زيادة الانفاق عن الاستخدام الكامل من العوامل التي تعكس زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي عند ذلك المستوى من التشغيل. ويكون التضخم كنتيجة لتلك الزيادة. لأن زيادة الانفاق الكلي لم يقابلها زيادة في السلع المعروضة. أي هناك فائض في الطلب مع عرض ثابت من المنتجات والسلع في ظل التشغيل الكامل. وبالتالي فإن حجم الانفاق الكلي يعتبر سبب من اسباب التضخم.
ب_التوسع في فتح الاعتمادات من قبل البنوك:
ان قيام البنوك التجارية بالتوسع في منح القروض والاعتمادات إلى المستثمرين يعتبر من بين العوامل الرئيسية في ضخ المبالغ المالية الكبيرة في الأسواق. ويحصل ذلك عندما ترغب الدولة في تنشيط الأعمال العامة وزيادة الإنتاج. وذلك عن طريق تخفيض سعر الفائدة. وبالتالي جذب رجال الاعمال إلى الاستثمار. وهذا بدوره يؤدي إلى إرتفاع الأسعار معلنا عن ظاهرة تضخمية. سببها الأول الائتمانات التي فتحتها البنوك للمستثمرين.
ج_ العجز في الميزانية:
يعتبر هذا الأسلوب وسيلة سهلة تلجأ اليها الحكومات والدول من أجل تمويل مشروعاتها الإنتاجية المقبلة. على تنفيذها وذلك من خلال تشغيل العناصر الإنتاجية المعطلة في المجتمع. حيث ان العجز في الميزانية عادة ما تعتمد الدولة إحداثه لتطبيق سياساتها. فتذهب إلى توفير النفقات اللازمة بوسائل متعددة.
والمقصود من إحداث عجز في الميزانية هو الزيادة في النفقات العامة عن الإيرادات العامة. حيث ان عجز الميزانية طريقة تلجأ اليها الحكومات وهي تعلم آثارها السلبية. إلا أنها تفرض أن ذلك يؤدي إلى إزدهار الحركة الإقتصادية. وحدوث رواج وبإمكانها تنفيذ كل برامجها. وهذا في حالة ما قبل مستوى التشغيل الكامل. لكن في حالة التشغيل الكامل عندما تكون جميع العناصر الإنتاجية مشغلة. فإن النفقات تكون هي السبب في إرتفاع الأسعار لعدم التوازن بين العرض السلعي والانفاق العام.
د_ تمويل العمليات الحربية:
تتطلب الحروب نفقات كبيرة وحتى قبل بدايتها من أجل التحضير لها. ولتغطية هاته النفقات تضطر الدولة إلى الإصدار النقدي من أجل تسيير أمورها. وأثناء الحرب من أجل تسيير أمور البلاد. وبعد الحرب لمعالجة آثار ما خلفته الحرب التي تكون على عاتق الدولة.
ه_ الارتفاع في معدلات الأجور:
يعتبر إرتفاع نسبة الأجور سببا مباشرا في خلق التضخم. وارتفاع الأجور ناتج عن الحرية التي تسمح بها الأنظمة الإقتصادية للنقابات العمالية بالسماح لهم بالإضرابات من أجل تحقيق مطالبهم التي تتعلق بالزيادة في الأجور. فهذه الزيادة ترفع من حدة التكاليف الإنتاجية مما ينقص من معدلات الارباح عند مستوى التشغيل الكامل. لكن يمكن تجاوز هذه المشكلة باقتراح الدولة ان تعمل على الاتفاق مع النقابات العمالية. على عدم المطالبة بزيادة الأجور لفترة زمنية محددة وزيادة الأجور بنسبة تتسأوى ونسبة الزيادة في انتاجيتهم. من أجل الاستقرار في الأسعار.
2_ الآثار الإقتصادية للتضخم:
_أثر التضخم على الإنتاج:
عندما يكون إرتفاع الأسعار نسبيا قد تكون له أثار جيدة على الإنتاج. وذلك خاصة عندما تكون هناك موارد غير مستغلة في الاقتصاد. فالإرتفاع النسبي للأسعار يخلق تنبؤات متفائلة بين المنتجين لزيادة هوامش ربحهم. عندما تكون الزيادة في الأسعار أكبر. ويتبع ذلك زيادة في الإنتاج والتوظيف والدخل. حتى وصول مرحلة التشغيل الكامل للاقتصاد. وبعد هذه المرحلة فأي زيادة في الأسعار لا يكون لها أثر إيجابي على الدخل والإنتاج والتوظيف. فتنتج من ذلك أن الزيادة النسبية في الأسعار قد يكون لها أثر إيجابي.
وتتمثل الآثار السلبية الناتجة عن التضخم في الإقتصاد الوطني فيما يلي:
_إن الإتجاهات التضخمية الحلزونية سوف تلغي بالضرورة تلقائية وميكانيكية السوق وتصبح غير ملائمة.
_ إن لم يكن التضخم مراقبا فإنه يحطم الموارد الرأسمالية الموجودة. ويدفعها خارج الدولة.
_ بوجود التضخم تتدهور القيمة الشرائية للنقود. ولن يكون هناك إقدام على الإدخار وبالتالي ضعف التكوين الرأسمالي.
_ يؤدي التضخم إلى زيادة الإكتناز. وبالتالي إنخفاض عرض السلع والخدمات بالنسبة للطلب النقدي المتزايد. مما يؤدي إلى ظهور السوق السوداء.
_ يؤدي التضخم إلى إحداث المضاربات. والعمل على تحقيق أرباحا سريعة بدلا من تطوير الإنتاج والنهوض به. بسبب حدوث الإضرابات في العلاقات الإقتصادية.
_ التضخم يؤدي إلى التأثير على نمط الإنتاج بعيدا على السلع الضرورية تجاه السلع الكمالية التي يكثر الطلب عليها.
_ في حالة التضخم الشديد يكون هناك هروب من العملة. فيحأول كل فرد التخلص من العملة حيث يصبح تفضيل السيولة منخفضا جدا. نتيجة لإستمرار الهبوط في قيمة النقود.
_أثر التضخم على إعادة توزيع الدخل:
يتأثر الموظفين والمتقاعدين وأصحاب الدخول الثابتة بسبب التضخم. نظرا لإنخفاض القدرة الشرائية للنقود وللدخل. بينما المنتجين والتجار والمضاربين يستفيدون بسبب الربح المفاجئ. وذلك لإرتفاع الأسعار. ويستفيد المقترضون بشكل أكبر ويتضرر المقرضون من ذلك.
وكذا عمليات البيع لأجل تتأثر بشدة في الفترات التي يتوقع فيها تزايد الأسعار بشكل دائم. ومن الصعب حينها إستعمال هذا النوع من البيع في الدول التي تعرف باستمرار ارتفاعا متسارع في المستوى العام للأسعار.
ومن هنا سنتطرق إلى أثر التضخم على مختلف الأعوان الإقتصاديين .
_المدينين والدائنين:
الدائنون هم في معظم الحالات من يخسرون لأنهم يقترضون كمية أقل من السلع والخدمات. كما يمكن لهم ان يستلمون عندما تكون الأسعار منخفضة. على عكس المدينون الذين يربحون لأنهم يرجعون ديونهم بالنقود التي أصبحت قيمتها الشرائية قليلة. مما كانت عليه في وقت حصولهم على القروض. فبذلك فإنهم يضحون بأقل قدر من الخدمات والسلع مقارنة إذا قاموا بالسداد عندما تكون الأسعار منخفضة.
_ أصحاب المداخيل الثابتة:
تشمل هذه الفئة الأشخاص الذين تكون مداخيلهم من العقارات السكنية وملكية الأراضي. والفوائد على التراث. وموظفي المؤسسات والهيئات المختلفة. والمعاشات التقاعدية والاعانات الإجتماعية وغيرهم. حيث ان ارتفاع الأسعار ينتج عنه نقص في المداخيل الحقيقية لهذه الفئة . نظرا للثبات النسبي الذي تتمتع به المداخيل.
_ رجال الأعمال:
معظم رجال الأعمال يحققون ربحا كبيرا في حالة إرتفاع الأسعار. خاصة اذا كان جل نقودهم على شكل سلع. فتزداد الأرباح بشكل أكبر من تزايد التكاليف. أما بالنسبة للمستثمرين في السندات في حالة إرتفاع الأسعار فإنهم يخسرون.
_ أثر التضخم على التنمية الإقتصادية :
إن التضخم له تأثير سلبي على التنمية الإقتصادية. حيث يكون الاقتصاد في حالة عدم التأكد بالنسبة لوضع الدولة الإقتصادي ومستقبلها. حيث يؤدي إلى تناقص في حجم الإستثمار والمدخرات ونقصان في متوسط الإنتاجية في الإقتصاد المحلي.
_أثر التضخم على التجارة الخارجية:
إن التضخم يؤدي إلى إرتفاع الأسعار بالنسبة للمنتجات المحلية من سلع وخدمات. هذا ما يؤدي بنقص الطلب عليها من الخارج. أي نقص الطلب على الصادرات الوطنية والزيادة في الواردات لإنخفاض أسعارها مقارنة بالأسعار المحلية.
_أثر التضخم على العملة:
ينتج عن التضخم إضعاف العملة وفقدانها قيمتها كمخزن. مما يلجأ الاشخاص إلى الإحتفاظ بالسلع بدل الإحتفاظ بالنقود. فتزداد رغبتهم في إنفاق النقود وتنقص رغبتهم في الإدخار. مما يجعلهم يتجهون إلى شراء العقارات وتحويل نقودهم إلى ذهب وعملات أجنبية.
_الأثار الإجتماعية للتضخم:
من نتائج التضخم عدم التوزيع العادل للثروة. مما ينتج عنه عدم العدالة الإجتماعية وتزداد الهوة بين الأفراد. حيث يزداد الغني غنا والفقير فقرا. بين أصحاب الدخول المرتفعة وأصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة. مما يولد فوارق إجتماعية بين افراد المجتمع. تؤدي إلى ظهور وتفشي أمراض إجتماعية خطيرة.
وينتج عن التضخم تشجيع الرداءة في مجال الإنتاج من طرف البائعين. حيث لهم أسواق يعرضون فيها سلعهم دون الاهتمام بجودة السلع. أو رغبة المواطن مما يؤدي إلى انزعاج واستياء المواطنين من هذه التصرفات الاخلاقية. التي حدثت بسبب التضخم.
وانشاء السوق السوداء بشكل كبير حيث يحصل فقدان الثقة من طرف المواطن في الدولة. ويخلق فوضى ناتجة عن ضعف التنظيم القاعدي للدولة. واذا استمرت هاته الوضعية لمدة طويلة ممكن ان يحصل داخل الدولة ثورة من طرف الشعب. بسبب تدهور الوضعية الإجتماعية والإقتصادية.
ومن آثار التضخيم أنه يؤدي إلى عرقلة التكوين الرأسمالي بسبب اتجاه الافراد نحو الاستهلاك ورفض الادخار. وتشجيع المضاربات بدلا من النشاطات المنتجة.
عرقلة الاستثمارات الاجنبية في البلدان التي على علاقة وطيدة لهذه الدول الفقيرة.
ثالثا_ مكافحة التضخم:
حاول الكثير من المفكرين الإقتصاديين وجود حلول لمشكلة التضخم. بسبب أثاره الجسيمة والتي تتمثل في المشاكل السياسية والإجتماعية والإقتصادية. وكانت كل المحاولات من أجل معالجة مشكل التضخم وعن طريق المساواة بين العرض الكلي والطلب الكلي عند مستوى التشغيل الكامل. نستعين بالسياسة المالية والسياسة النقدية في معالجة التضخم.
_ السياسة النقدية في معالجة التضخم:
تحاول السياسة النقدية التحكم في عرض النقود عن طريق البنك المركزي. معتمدة في ذلك بعض الأدوات الكمية والنوعية من أجل التقليل في عرض النقود. لغرض المضاربة مما يؤدي إلى الزيادة في التكاليف والقروض الممنوحة من طرف البنوك. والأدوات المستعملة في السياسة النقدية تختلف من اقتصاد لآخر. حيث تخضع لدرجة التناسق في الجهاز البنكي وكذا قوة وتكامل الاقتصاد.
_الأدوات الكمية:
أ_سياسة معدل اعادة الخصم:
في حالة التضخم يزيد البنك معدل اعادة الخصم. لينقص من استطاعة البنوك في التوسع في الإئتمان. من أجل مواجهة الوضع التضخمي. حيث يلجأ البنك المركزي عن طريق البنوك التجارية بزيادة معدل الفائدة. مما يؤدي إلى نقص الطلب على القروض من طرف المستثمرين. فيتوجهون إلى استثمار اموالهم في السوق المالية. وذلك عن طريق شرائهم السندات والأسهم فيتقلص حجم الكتلة النقدية.
لكن عندما يكون البنك المركزي يريد ان يتبع سياسة توسعية. فإنه يقوم بإنتاج معدل سعر الفائدة. من أجل السماح للبنوك بخصم أوراقها التجارية . أو الاقتراض منه للتوسع في منح الإئتمان. فينتج عن ذلك زيادة الرغبة لدى المستثمرين في الحصول على القروض من البنوك التجارية.
ب_نسبة الاحتياطي القانوني:
يتمثل في فرض البنك المركزي على البنوك التجارية على الاحتفاظ بنسبة معينة من الودائع لديه. حيث الهدف من الاحتفاظ بالاحتياطي القانوني لدى البنك المركزي هو إحداث التوازن النقدي عندما يكون هناك تضخم. يلجأ البنك المركزي إلى رفع قيمة الإحتياطي النقدي. وفي حالة الإنكماش يخفض من قيمته.
تعتبر نسبة الاحتياطي القانوني من وسائل السياسة النقدية التي يسهل تطبيقها. وهي من اكثر الوسائل نجاحا مقارنة بسعر اعادة الخصم والسوق المفتوحة. وخاصة في الدول المتخلفة لانعدام الأسواق النقدية وقلة التعامل بالأوراق التجارية.
ج_عمليات السوق المفتوحة:
تتمثل عمليات السوق المفتوحة فيما يقوم به البنك المركزي من بيع وشراء الأوراق المالية والسندات الحكومية. حسب ما يتطلبه الوضع الإقتصادي. وذلك من أجل التحكم في وضع النقود ولعمليات السوق المفتوحة دور رئيسي في التمويل الحكومي. حيث أنه عند قيام البنك المركزي ببيع السندات سوق المالية تزداد النقود. وبالتالي يزداد الانفاق الحكومي.
_السياسة المالية:
تتمثل في الاستراتيجيات التي تتبعها الدولة من أجل تحقيق أهدافها الإقتصادية. من خلال تحكمها في ايراداتها والسيطرة على مصادر هذه الايرادات. وطريقة تسيير هذه الايرادات في عملية الانفاق الحكومي . تركز الدولة على اتباع السياسة المالية عادة عندما لا تحقق نجاحا في استعمال السياسة النقدية في محاربة التضخم. ومن أهم وسائل السياسة المالية نذكر:
_الرقابة الضريبية:
تعتبر من الأدوات الرئيسية للسياسة المالية في التحكم في التضخم. وذلك لكون هذه الأداة تتحكم في الانفاق العام. حسب الحالة التي يكون فيها الاقتصاد تضخم أو انكماش. حيث أنه في حالة التضخم تقوم السياسة المالية بزيادة قيمة الضرائب على الدخل. وذلك لسحب جزء من القوة الشرائية للأفراد. فيتجهون إلى الادخار. وينقصون من الانفاق ويزداد التحصيل الضريبي للدولة. غير ان سياسة الرقابة على الضريبة تعتبر غير مرنة. لتغير الميزانية في السنة عدة مرات. اما في حالة الانكماش تعتمد الدولة على سياسة الرقابة الضريبية بتخفيض الضرائب على الأرباح والاستهلاك. لزيادة معدلاتها وبالتالي زيادة الطلب على الاستهلاك والاستثمار.
_الرقابة على الدين العام :
تعتبر سياسة الرقابة على الدين العام سياسة استراتيجية في التحكم في التضخم. وذلك من خلال ما تلجأ اليه الدولة في طرح الأسهم والسندات للاكتتاب فيها. من قبل الجمهور فبذلك تمتص القوة الشرائية الاضافية في الأسواق النقدية. وتستعملها في تمويل الميزانية.
_الرقابة على الانفاق العام:
تلعب سياسة الرقابة دورا هاما في الحفاظ على التوازن الإقتصادي. حيث ان التحكم في الانفاق الحكومي برفع أو تخفيض معدلاته. حسب الحالة الإقتصادية أي انكماش أو تضخم. حيث انه في حالة التضخم تقوم الدولة بالتقليل من الانفاق الحكومي. وذلك بعدم تشجيع الاستثمار. وقيامها بعدم الزيادة في الأجور. وزيادة معدلات الضرائب والاشتراكات الإجتماعية. وكذا التقليل من القروض والاعانات. وقد تلجأ الدولة في إطار هذه السياسة إلى الرقابة على الأسعار ومقارنتها بالأجور. ليكون هناك توازن. وكذلك قيام الدولة بدعم أسعار السلع الأساسية أو إنتاجها. ورفع القيود الجمركية وتخفيض الضرائب بالنسبة للسلع الضرورية المستوردة من أجل القضاء على التضخم.
خاتمة:
تطرقنا الاطار النظري لظاهرة التضخم كما اتت بها النظرية الاقتصادية. وبالرغم من تعدد المدارس الاقتصادية التي حاولت تفسير هذه الظاهرة. إلا انها عجزت عن تقديم تعريف شامل وموحد لها.
رغم اجماعها على ان التضخم هو ارتفاع في المستوى العام للأسعار وانخفاض في قيمة هذه النقود بسبب فائض الطلب من السلع والخدمات بما يفوق العرض منها. وقد يكون سببها اما من جانب الطلب. كالتوسع في الانفاق العمومي بجانبيه الاستهلاكي والاستثمار. أو من جانب العرض (التكاليف) كعدم مرونة الجهاز الانتاجي خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الانتاج اهمها تكلفة العمل. أو قد يرجع سببها الى خلل هيكلي في اقتصاديات الدول خاصة الدول النامية منها.
كما اتضح أن للتضخم عدة آثار سلبية تلقي بظلالها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطن. بداية من فقدان الثقة بالعملة المحلية وتفاقم العجز في ميزان المدفوعات وصولا الى انتشار الفساد وتعفن الادارة المحلية بالرشوة واختلاس المال العام.
وعلى هذا الاساس تسعى حكومات الدول المختلفة الى الحد من اثار الضغوط التضخمية بانتهاج مجموعة من الأساليب والوسائل. تتمثل اهمها في السياسة النقدية الانكماشية بهدف امتصاص فائض المعروض النقدي في السوق النقدية الذي لا يقابله اي انتاج حقيقي.